اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة مدار الساعة الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢٤ نيسان ٢٠٢٥
ليست المبالغة في توصيف التهديدات ولا التهوين من التحديات مدخلًا لفهم موقف الدولة الأردنية وسط اشتعال الإقليم وتبدّل خرائط التحالف والصراع، بل ما يحتاجه الفهم السياسي العميق هو الإنصات للغة الدولة ذاتها، حين تعبّر عن خياراتها ومصالحها بثقة، لا بتوتر.وفي مقال نُشر مؤخراً في صحيفة 'معاريف'، بدا أن التحليل الإسرائيلي ينظر إلى الأردن من خلف زجاج مشروخ، يصوّر الدولة التي تملك زمام المبادرة على أنها كيان هشّ يتأرجح على حافة الانهيار، غير أن القراءة الدقيقة للواقع الأردني تبيّن أن المملكة، برغم ما تواجهه من ضغوط إقليمية حادة، تقف في واحدة من أكثر مراحلها السياسية نضجًا ومتانة في القرار.الخطاب الصهيوني الذي يحذر من (تهديد وجودي) يخلط بين الضغط والتفكك، بين التحدي والتآكل، وهو خلط يغفل الفرق بين الدولة التي تراجع تحالفاتها وتعيد صياغة أدواتها، وتلك التي تُجرّ إلى خيارات مفروضة، الأردن لم يُجرّ قط، لقد اختار أن يسحب سفيره من تل أبيب منذ الأيام الأولى للعدوان على غزة، لا كخطوة رمزية، بل كموقف سيادي يعكس رفض واضح لتجاوز الخطوط الحمراء في الملف الفلسطيني، وفي الوقت ذاته، حافظت عمّان على دبلوماسية رصينة تحافظ على جسور التواصل بما يخدم أمنها القومي، دون أن تخضع لمعادلات الابتزاز السياسي.من يحاول أن يقرأ صمت الأردن أو حركته المُتّزنة بوصفها ارتباك، يتجاهل حقيقة أن المملكة تملك أدوات الدولة العميقة التي تدير الداخل والخارج بميزان دقيق، ومن أبرز الأدلة على صلابة هذه الدولة قرارها الصارم بحظر جماعة الإخوان المسلمين، وإغلاق مكاتبها ومصادرة وجودها، فلم يكن هذا القرار إجراء أمني أو ارتجالي، بل رسالة سياسية حازمة بأن المملكة لن تسمح بوجود كيان موازٍ يتغذى على التناقضات، ويستثمر في لحظات التوتر لتوسيع نفوذه على حساب الدولة، وقد جاء هذا القرار في توقيت بالغ الدقة، لا بهدف استرضاء أي طرف خارجي، بل لتحصين الجبهة الداخلية، وإعادة ضبط المشهد السياسي على أسس الولاء الوطني لا على معادلات التنظيمات العابرة للحدود.ان الذين يرون في تنويع الأردن لتحالفاته – نحو الصين أو روسيا – ضرباً من الارتباك الاستراتيجي، ينسون أن هذه الدولة، التي لم تغب يوماً عن التحالف مع واشنطن، تعرف متى تعيد صياغة ميزان علاقاتها، وتعرف كيف توصل رسائلها عبر المناورات لا المواجهات، فالتحدي الاقتصادي الذي تواجهه المملكة ليس عار، بل واقع تواجهه ببرامج إصلاح تقودها مؤسسات رسمية، لا شبكات نفوذ ولوبيات، كما ان الدين العام، والبطالة، وضغوط اللجوء، لم تمنع الأردن من الحفاظ على استقراره الأمني والمؤسسي، وهو ما فشلت فيه دول ذات موارد أضخم وتجارب أعرق.وفي العمق، فإن ما يقلق الداخل الإسرائيلي اليوم ليس ضعف الأردن، بل (قوته المتزنة)، الدولة التي ترفض اليوم استقبال أي مهجّر من غزة، وتتمسك بثوابتها في حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم، هي نفسها التي تدير علاقاتها مع الغرب بعين يقظة، دون أن تفرط في استقلال قرارها، وإن كان في إسرائيل من يراهن على اهتزاز تحالفاتها مع الأردن، فإن عليه أن يتأمل ما إذا كانت حكومته، بانزلاقها إلى أقصى اليمين، هي من جعلت هذا التحالف على المحك.إن الأردن، الدولة التي تدير أزمات المنطقة على تماس مباشر من سوريا، العراق، فلسطين، والكيان الهش، لا تحتاج لمن يُذكّرها بهشاشة الجغرافيا، فهي تعرف حدودها جيداً، لكنها في الوقت نفسه تعرف كيف تُحوّل هذا الموقع الحرج إلى مصدر قوة، فهي ترفض أن تكون ساحة بديلة لحلّ ملف غزة، وتغلق باب توطين الفلسطينيين بصرامة تشريعية وسياسية، وتضع مصالحها الوطنية فوق كل اصطفاف إقليمي.وهنا، لا بد أن يُفهم موقف الأردن في سياقه الصحيح، نحن دولة تعرف من أين تُمسك بخيوط اللعبة، وتعرف متى تصمت لحكمة، ومتى تقول (لا) بملء السيادة، فنحن لسنا في موقع من يترقب الانهيار، بل في موقع من يقرأ موازين القوى من الأعلى، ويمضي في إعادة تشكيلها بهدوء، ومن يظن أن القرار في عمّان يُصنع في العواصم الأخرى، فليتأمل القرارات الأردنية الأخيرة التي لم تكن فقط ترجمة للثقة، بل إعلان عن أن الدولة القوية هي من تُحكم قبضتها على الداخل أولاً، وتفرض احترامها على الخارج ثانيا.
ليست المبالغة في توصيف التهديدات ولا التهوين من التحديات مدخلًا لفهم موقف الدولة الأردنية وسط اشتعال الإقليم وتبدّل خرائط التحالف والصراع، بل ما يحتاجه الفهم السياسي العميق هو الإنصات للغة الدولة ذاتها، حين تعبّر عن خياراتها ومصالحها بثقة، لا بتوتر.
وفي مقال نُشر مؤخراً في صحيفة 'معاريف'، بدا أن التحليل الإسرائيلي ينظر إلى الأردن من خلف زجاج مشروخ، يصوّر الدولة التي تملك زمام المبادرة على أنها كيان هشّ يتأرجح على حافة الانهيار، غير أن القراءة الدقيقة للواقع الأردني تبيّن أن المملكة، برغم ما تواجهه من ضغوط إقليمية حادة، تقف في واحدة من أكثر مراحلها السياسية نضجًا ومتانة في القرار.
الخطاب الصهيوني الذي يحذر من (تهديد وجودي) يخلط بين الضغط والتفكك، بين التحدي والتآكل، وهو خلط يغفل الفرق بين الدولة التي تراجع تحالفاتها وتعيد صياغة أدواتها، وتلك التي تُجرّ إلى خيارات مفروضة، الأردن لم يُجرّ قط، لقد اختار أن يسحب سفيره من تل أبيب منذ الأيام الأولى للعدوان على غزة، لا كخطوة رمزية، بل كموقف سيادي يعكس رفض واضح لتجاوز الخطوط الحمراء في الملف الفلسطيني، وفي الوقت ذاته، حافظت عمّان على دبلوماسية رصينة تحافظ على جسور التواصل بما يخدم أمنها القومي، دون أن تخضع لمعادلات الابتزاز السياسي.
من يحاول أن يقرأ صمت الأردن أو حركته المُتّزنة بوصفها ارتباك، يتجاهل حقيقة أن المملكة تملك أدوات الدولة العميقة التي تدير الداخل والخارج بميزان دقيق، ومن أبرز الأدلة على صلابة هذه الدولة قرارها الصارم بحظر جماعة الإخوان المسلمين، وإغلاق مكاتبها ومصادرة وجودها، فلم يكن هذا القرار إجراء أمني أو ارتجالي، بل رسالة سياسية حازمة بأن المملكة لن تسمح بوجود كيان موازٍ يتغذى على التناقضات، ويستثمر في لحظات التوتر لتوسيع نفوذه على حساب الدولة، وقد جاء هذا القرار في توقيت بالغ الدقة، لا بهدف استرضاء أي طرف خارجي، بل لتحصين الجبهة الداخلية، وإعادة ضبط المشهد السياسي على أسس الولاء الوطني لا على معادلات التنظيمات العابرة للحدود.
ان الذين يرون في تنويع الأردن لتحالفاته – نحو الصين أو روسيا – ضرباً من الارتباك الاستراتيجي، ينسون أن هذه الدولة، التي لم تغب يوماً عن التحالف مع واشنطن، تعرف متى تعيد صياغة ميزان علاقاتها، وتعرف كيف توصل رسائلها عبر المناورات لا المواجهات، فالتحدي الاقتصادي الذي تواجهه المملكة ليس عار، بل واقع تواجهه ببرامج إصلاح تقودها مؤسسات رسمية، لا شبكات نفوذ ولوبيات، كما ان الدين العام، والبطالة، وضغوط اللجوء، لم تمنع الأردن من الحفاظ على استقراره الأمني والمؤسسي، وهو ما فشلت فيه دول ذات موارد أضخم وتجارب أعرق.
وفي العمق، فإن ما يقلق الداخل الإسرائيلي اليوم ليس ضعف الأردن، بل (قوته المتزنة)، الدولة التي ترفض اليوم استقبال أي مهجّر من غزة، وتتمسك بثوابتها في حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم، هي نفسها التي تدير علاقاتها مع الغرب بعين يقظة، دون أن تفرط في استقلال قرارها، وإن كان في إسرائيل من يراهن على اهتزاز تحالفاتها مع الأردن، فإن عليه أن يتأمل ما إذا كانت حكومته، بانزلاقها إلى أقصى اليمين، هي من جعلت هذا التحالف على المحك.
إن الأردن، الدولة التي تدير أزمات المنطقة على تماس مباشر من سوريا، العراق، فلسطين، والكيان الهش، لا تحتاج لمن يُذكّرها بهشاشة الجغرافيا، فهي تعرف حدودها جيداً، لكنها في الوقت نفسه تعرف كيف تُحوّل هذا الموقع الحرج إلى مصدر قوة، فهي ترفض أن تكون ساحة بديلة لحلّ ملف غزة، وتغلق باب توطين الفلسطينيين بصرامة تشريعية وسياسية، وتضع مصالحها الوطنية فوق كل اصطفاف إقليمي.
وهنا، لا بد أن يُفهم موقف الأردن في سياقه الصحيح، نحن دولة تعرف من أين تُمسك بخيوط اللعبة، وتعرف متى تصمت لحكمة، ومتى تقول (لا) بملء السيادة، فنحن لسنا في موقع من يترقب الانهيار، بل في موقع من يقرأ موازين القوى من الأعلى، ويمضي في إعادة تشكيلها بهدوء، ومن يظن أن القرار في عمّان يُصنع في العواصم الأخرى، فليتأمل القرارات الأردنية الأخيرة التي لم تكن فقط ترجمة للثقة، بل إعلان عن أن الدولة القوية هي من تُحكم قبضتها على الداخل أولاً، وتفرض احترامها على الخارج ثانيا.