اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
السودان.... إختبار جديد للإرادة العربية #عاجل
كتب اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني- يشكل السودان ركيزة أساسية في الجغرافيا العربية والإفريقية، وموقعًا استراتيجيًا يتحكم في أمن البحر الأحمر ومنابع النيل، ويمتلك ثروات زراعية ومعدنية هائلة تجعله مؤهلًا لأن يكون سلة غذاء العالم العربي. واستقراره ليس ترفًا، بل عنصرًا حاسمًا في معادلة الأمن القومي العربي من القرن الإفريقي إلى شمال إفريقيا.
لكن السودان اليوم يعيش أخطر مراحله منذ الاستقلال، بعد مرور أكثر من عامين ونصف على اندلاع الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). حرب مدمّرة تسببت في نزوح أكثر من 14 مليون إنسان، ودمّرت البنية التحتية وأغرقت البلاد في الفوضى. الأخطر من ذلك أنها تهدد بتقسيم السودان مجددًا بعد أقل من 15 عامًا على انفصال الجنوب.
ورغم حجم الكارثة الإنسانية، ما تزال الاستجابة العربية محدودة، والإرادة السياسية مشتتة، فيما تملأ قوى إقليمية ودولية الفراغ ، بعضها وفي مقدمتها اسرائيل يسعى لتثبيت نفوذه عبر تغذية الصراع لا إيقافه.
لم يعد مقبولًا أن تكتفي الدول العربية بالمراقبة أو بيانات الشجب. فاستمرار الحرب في السودان يهدد الأمن القومي العربي في جوهره، من أمن البحر الأحمر إلى استقرار مصر والقرن الإفريقي، ويتيح لإسرائيل وغيرها من الدول أن تمد أذرعها داخل الفوضى السودانية.
إن المطلوب اليوم هو تحرك عربي موحّد وشجاع، يتجاوز الانقسامات والمواقف المترددة، ويعتمد رؤية جماعية لإنقاذ السودان، ليس عبر المساعدات فقط، بل عبر مبادرة دبلوماسية عربية–غربية منسقة تستهدف وقف الحرب فورًا، وتهيئة الأرضية لتسوية سياسية شاملة.
شراكة عربية –غربية من أجل السودان
على الدول العربية أن تدرك أن مصالحها في استقرار السودان تتقاطع مع مصالح الغرب، وأن التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبالتنسيق مع الدول الإسلامية المؤثرة كتركيا وإيران هو الطريق الواقعي الوحيد لإنهاء هذه المأساة.
فالغرب، كما تقول الدبلوماسية البريطانية السابقة روزاليند مارسدن، لديه مصلحة مباشرة في وقف الحرب لحماية أمن البحر الأحمر من التمدد الروسي عبر خطط موسكو لإقامة قاعدة بحرية هناك ومنع تحوّل السودان إلى دولة فاشلة تُصدّر الإرهاب والهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.
فالتعاون العربي– الغربي في هذا الملف، رغم التجارب التاريخية السابقة المدمرة لهذا التحالف التي مزقت العالم العربي وزرعت دولة الكيان الصهيوني في قلبه، لا يعني التبعية بل شراكة مصلحة ومسؤولية مشتركة تهدف إلى حماية الإقليم من الانهيار، وإعادة السودان إلى دوره الطبيعي كدولة عربية إفريقية فاعلة.
خريطة طريق عربية مقترحة
1. تشكيل تحالف عربي–غربي للسلام في السودان تقوده دول عربية مركزية مثل مصر والسعودية وقطر، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبدعم من دول اسلامية مؤثرة كتركيا وإيران لرعاية مفاوضات جادة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
2. إطلاق جسر إنساني عربي منسق مع وكالات الأمم المتحدة لإغاثة ملايين النازحين، وتخفيف المعاناة الإنسانية التي تهدد استقرار دول الجوار.
3. فرض رقابة عربية ودولية مشتركة على تدفق السلاح عبر الحدود التشادية والليبية، ووقف أي دعم خارجي — بما في ذلك الإسرائيلي — يساهم في استمرار القتال.
4. تحرك إعلامي عربي واسع النطاق لإعادة السودان إلى دائرة الوعي العربي، وكسر التعتيم الإعلامي الذي حوّل هذه الحرب إلى مأساة منسية.
5. وضع خطة عربية ودولية لإعادة إعمار السودان ما بعد الحرب، بتمويل من الصناديق التنموية العربية والدولية، وربطها بإصلاح سياسي واقتصادي يضمن وحدة البلاد واستقرارها.
خاتمة: لا وقت للانتظار
إن صمت العرب عن مأساة السودان ليس مجرد تقصير قومي وإنساني، بل خطر استراتيجي طويل المدى. فكل يوم يمر دون تحرك حقيقي، يقترب السودان أكثر من الانقسام الكامل، وتتسع الفوضى التي ستطال في النهاية الأمن العربي كله.
لقد أثبتت التجارب أن ترك الأزمات العربية دون حل عربي يفتح الباب لتدويلها على حساب مصالح الأمة. واليوم، أمام العرب فرصة نادرة لتصحيح المسار عبر مبادرة جادة تتعاون فيها الإرادة العربية والإسلامية مع الإرادة الغربية على أساس المصلحة المشتركة في إنهاء هذه الحرب الأهلية وإعادة السودان كدعامة استقرار لا بؤرة صراع جديدة.












































