اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١٧ كانون الأول ٢٠٢٥
أطلقت الدعوى القضائية التي رفعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد هيئة الإذاعة البريطانية 'بي بي سي' موجة واسعة من الجدل الإعلامي والقانوني، وفتحت الباب أمام نقاش محتدم حول حدود المسؤولية التحريرية، ومعايير التشهير، واستغلال القضاء في الصراعات السياسية.
لا تبدو الدعوى، التي تطالب بتعويض ضخم يبلغ 10 مليارات دولار، مجرد إجراء قانوني تقليدي، بل محاولة واضحة لإعادة صياغة رواية سياسية حساسة عبر أروقة المحاكم.
وجاءت هذه الخطوة على خلفية تعديل مثير للجدل في برنامج «بانوراما» عُرض قبيل الانتخابات الأمريكية 2024، حيث اتهم ترامب الشبكة البريطانية بتشويه خطابه المتعلق بأحداث 6 يناير 2021.
ووفقًا لادعائه، قامت بي بي سي بدمج مقاطع من كلمته على نحو يوحي بأنه دعا أنصاره صراحة إلى اقتحام مبنى الكابيتول والقتال «بشراسة»، وهو ما اعتبره تحريفًا متعمدًا لمعنى حديثه وسياقه.
تفاصيل الدعوى: اتهامات كبيرة وأرقام فلكية
تحرك فريق ترامب القانوني وقدم الدعوى أمام محكمة اتحادية في مدينة ميامي، مطالبًا بخمسة مليارات دولار تعويضًا عن التشهير، ومثلها عن «ممارسات تجارية خادعة».
وذهبت أوراق الدعوى إلى اتهام بي بي سي بتضليل المشاهدين حول العالم بشكل «متعمد وخبيث»، وباستخدام أساليب تحريرية تسيء إلى سمعة ترامب وتؤثر في الرأي العام الدولي.
في المقابل، سارعت بي بي سي إلى الرد، مؤكدة أنها ستدافع عن نفسها بقوة، ومشددة على أن ما حدث كان خطأ تحريريًا تم الاعتراف به والاعتذار عنه سابقًا، من دون وجود أي نية للتضليل أو التشهير.
أزمة داخلية تهز أروقة بي بي سي
لم يتوقف تأثير القضية عند حدود القضاء، بل امتد ليُحدث زلزالًا داخل المؤسسة الإعلامية البريطانية. فقد كشفت التقارير عن أزمة تحريرية خانقة، انتهت باستقالة المدير العام تيم ديفي ورئيسة قسم الأخبار ديبورا تورنيس.
هذه الاستقالات عكست حجم الضغوط الداخلية والخارجية التي واجهتها الشبكة، خاصة بعد اتهامات باستخدام تقنيات تحرير غير دقيقة، وربما أدوات ذكاء اصطناعي، أدت إلى إقحام عبارات لم يتفوه بها ترامب أصلًا.
العقبات القانونية: جدار الاختصاص والضرر
على المستوى القانوني، تصطدم الدعوى بعقبات معقدة يصعب تجاوزها. فخبراء القانون يرون أن القضية تعاني من خلل جوهري يتعلق بالاختصاص القضائي. إذ لم يعد بإمكان ترامب رفع الدعوى في بريطانيا بسبب انقضاء المهلة القانونية المحددة بعام واحد، ما اضطره إلى نقل المعركة إلى ولاية فلوريدا.
غير أن هذا الخيار يضعه أمام مأزق أكبر، لأن البرنامج المعني لم يُبث داخل الولايات المتحدة وكان محجوبًا جغرافيًا. وبالتالي، يصبح إثبات وقوع ضرر فعلي داخل فلوريدا مهمة شبه مستحيلة. فالقانون الأمريكي يشترط إثبات أن المحتوى نُشر داخل الولاية، وأن أشخاصًا شاهَدوه، وأن هذا المشاهدة غيّرت رأيهم بالمدعي بشكل سلبي ومباشر.
ورغم إشارة الدعوى إلى إمكانية الوصول للحلقة عبر منصات بث أو باستخدام شبكات VPN، فإنها لم تقدم دليلًا واحدًا يثبت أن مشاهدين في فلوريدا شاهدوا الحلقة وتأثروا بها بالفعل.
يزيد الموقف تعقيدًا عبء الإثبات الثقيل في قضايا التشهير الأمريكية، خصوصًا عندما يكون المدعي شخصية عامة. فالقانون يفرض على ترامب أن يثبت أن بي بي سي تصرفت بـ«نية خبيثة»، أي أنها كانت تعلم أن ما بثته غير صحيح، ومع ذلك تعمدت نشره.
هذا الشرط يُعد من أعلى معايير الإثبات في القانون الأمريكي، ولا يبدو أن الدعوى تحتوي على أدلة قوية تلبي هذا المعيار الصارم.
تكلفة محدودة وضجيج مبالغ فيه
على عكس الأرقام الضخمة المتداولة إعلاميًا، تشير التقديرات القانونية إلى أن التكلفة الفعلية التي قد تتحملها بي بي سي ستكون محدودة نسبيًا. ففي حال شُطبت القضية قبل الوصول إلى المحاكمة، قد لا تتجاوز الكلفة مئات الآلاف من الدولارات، بينما قد تصل إلى نحو مليون دولار فقط إذا مضت الإجراءات حتى النهاية، وهو ما يجعل الحديث عن عشرات الملايين أقرب إلى التهويل الإعلامي منه إلى الواقع.
وتبدو دعوى ترامب ضد بي بي سي محكوم عليها بالفشل منذ بدايتها. فهي تتعثر أمام عقبات الاختصاص القضائي، وتعجز عن إثبات الضرر الفعلي، وتفتقر إلى الأدلة اللازمة لإثبات «النية الخبيثة». لذلك يرجح خبراء القانون أن القضية ستتحول إلى أداة ضغط سياسي وإعلامي أكثر من كونها مسارًا قانونيًا قابلًا للنجاح.
أما بي بي سي، فتبدو واثقة من قدرتها على الصمود أمام المحاكم الأمريكية، في وقت تتضاءل فيه فرص ترامب بالحصول على أي تعويض حقيقي. وهكذا، تتحول الدعوى إلى فصل جديد في صراع السياسة والإعلام، حيث يعلو الضجيج، لكن الحسم القانوني يبدو شبه محسوم.
