اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
حصرية الحضور العادي ومحدوديته وسوء الترويج جعلت البعض يعده نموذجاً موسعاً لعالم الكومباوندات وصخب السجادة يطغى على أحاديث السينما
رغم الثراء الفني الذي ميـز مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثامنة هذا العام، من خلال قائمة شديدة التنوع من الأفلام، فإن الصوت الأعلى كما العادة كان لنقاشات من نوع آخر لا ترتبط بالسينما بقدر ما تعبر عن 'أزمة اجتماعية واقتصادية' ترجمت في سلسلة من التدوينات والأخبار والتريندات والتصريحات، إذ يبدو وكأن المهرجان الذي أقيمت دورته الأولى قبل نحو تسعة أعوام وسلط الضوء على مدينة الجونة الساحلية بمحافظة البحر الأحمر، قد تحول إلى مناسبة لتذكير المتابعين بـ'الفجوة الكبيرة، اجتماعياً وثقافياً وفكرياً ومادياً' بين مجتمع الجونة ونسبة كبيرة من الناس، لتتفجر في وجه المهرجان الفني الذي أصبح علامة بين مهرجانات المنطقة خلال وقت قصير أزمة طبقية مكتملة الأركان، يعبر عنها بتعليقات عدائية شديدة الهوس، وكأنه بات وسيلة لتفريغ الضغوط، أو كأن التأنق والبذخ والإبهار باتت أموراً معيبة في المجتمع المصري.
منذ الدورة الأولى للمهرجان، الذي اضطر إلى التوقف سنة واحدة، وقد انطبعت صورة ذهنية عنه جعلته بالنسبة إلى البعض مهرجاناً للإطلالات يوازي أحداثاً مثل أسابيع الموضة العالمية، إذ تطغى أحاديث الفساتين وصور النجوم على أي حديث يتعلق بالأنشطة المهمة التي قدمها من ندوات وورش عمل وعروض لأفلام قيمة، وحتى الجوائز والدعم المقدمين للمشاريع الواعدة. لكن هناك تصاعداً ملحوظاً هذه المرة، في ما يتعلق بالتعليقات العدائية التي تربط بين المظاهر المترفة في المهرجان ومعاناة فئات كثيرة من المجتمع، بسبب ضيق ذات اليد، وأخرى تتهم المشاهير بالانفصال عن الواقع وعدم المراعاة، وغيرهم يبدون صدمتهم من نمط حياة النجوم في ما يتعلق بنظرتهم إلى الحريات الشخصية.
وعلى رغم أن كثيراً من هذه الأمور تبدو بلا منطق بالنسبة إلى البعض، فليس مطلوباً من مهرجان فني أن يكون نموذجاً في التقشف، لكن فكرة أن مهرجان القاهرة يقام بنفس الزخم من دون أن تصاحبه هذه الموجة العالية من الغضب، تجعل من المهم محاولة تفسير 'حالة الجونة'، لا سيما أن المخرج المعروف شريف عرفة من خلال كلمة له بالمهرجان هذا العام، عبر عن استيائه من انفصال النجوم المصريين عن الجماهير بعدما كانت السينما بفعالياتها وأعمالها صوت الناس وأبطالها يشبهون عموم الناس في الشارع.
تساؤلات عديدة يثيرها هذا الموضوع، بينها من المسؤول عن الصورة التي جرى تصديرها عن مجتمع الجونة السينمائي، وما 'الطريقة الجونية' (نسبة إلى الجونة) التي تحدث عنها المخرج المخضرم شريف عرفة صاحب عشرات الأعمال التي مست هموم المواطن وقضاياه مثل 'اللعب مع الكبار'، و'الإرهاب والكباب'، و'المنسي' و'اضحك الصورة تطلع حلوة' و'طيور الظلام' و'الجزيرة'، ولماذا تصدر الجوانب السلبية أو المستفزة فقط من مهرجان به عشرات الفعاليات شديدة الأهمية في كل دورة؟
كلمات شريف عرفة خلال جلسته الحوارية كانت مدخلاً من ضمن مداخل عدة منحت مزيداً من الأسباب لمحاولة تحليل طريقة تعامل الجماهير مع مهرجان الجونة، ولماذا تختلف كثيراً عما يحدث في 'القاهرة'، حيث دعا المخرج الذي يعد رقماً صعباً في مجاله، النجوم المصريين إلى أن يكونوا 'مصريين شوية'، والمفارقة اعتذاره عن اضطراره لقول عدة كلمات بالفصحى مثل كلمة 'ترعرع'. معتقداً أن جمهوره في الجونة على الأرجح لا يعرف معنى هذه الكلمة.
شهادة عرفة جاءت مغايرة لطابع الخطاب الرائج في الجونة، أو في الأقل الخطاب الذي يجري تسليط الضوء عليه إعلامياً، لتكون النتيجة أن تأتي الدورة وتذهب ولا يبقى منها إلا أحاديث بعيدة كثيراً من الحالة السينمائية.
يأتي هذا الحدث وسط جدل متصاعد آخر، يتعلق بحوادث متعددة تشير إلى فكرة تنوع الطبقات والطوائف التي تتمتع بها البلاد، ومع ذلك تصبح مثار أزمة، إذ استنكر كثر هذا العام ارتباط مئات الآلاف وربما الملايين من المصريين بالموالد ذات الطابع الديني الشعبي رغم أنه تقليد ضارب في القدم، ويمثل جزءاً مهماً من نسيج التراث الشعبي المصري، وكأن هناك انفصاماً كبيراً أيضاً بين هذه الفئة والمدهوشين، وهو 'تريند' أخذ وقتاً طويلاً من الأخذ والرد، ما بين المكفرين والمتعاطفين، مما يشير إلى أن الاختلاف في حد ذاته لم يعد مقبولاً أو أن هناك تأجيجاً متعمداً لتعميقه.
وظهرت موجة ثالثة تقارن بين حدثي مهرجان الجونة السينمائي و'المولد'، في دلالة على الفجوة الكبيرة بين العالمين، من دون الوضع في الاعتبار أن التنوع والزخم هما نوع من الثراء يمكن الاحتفاء بهما بدلاً من اعتبارهما أمراً سلبياً، كما أنهما موجودان بطرق وأشكال أخرى في العالم كله، فالوضع أصبح مليئاً بالتحفز والاستقطاب، وهو ما يتفق عليه استشاري الصحة النفسية الدكتور أحمد فوزي صبرة، الذي يؤكد أن 'السوشيال ميديا بالفعل عمقت الشعور الفردي، ومن ثم العام بالفروق الطبقية في المجتمع المصري، وبالتبعية الشعور بعدم الرضا عن الحياة، فالرضا من أهم شروطه النظر إلى من هو أدنى، وعدم النظر لمن هو أعلى، لكن ما يحدث هو اليقين بعدم المساواة، وعدم العدالة'.
ويضيف صبرة، 'قديماً كان سكان الريف لا يرون ما يحدث في المدينة، وسكان المدينة لا يرون ما يحدث في الأماكن الحصرية الفارهة، وسكان المناطق الشعبية لا يعرفون شيئاً تفصيلاً ولا معروضاً على مدار الساعة عما يجري في العائلات المترفة، ولا يبحثون عن أسعار ملابسهم أو أنواع أكسسواراتهم، والعكس صحيح أيضاً، والآن الكل منفتح على حياة الآخر، والنتيجة هي استيعاب هذه الفروق الشديدة في الطبقات التي تتبعها فروق هائلة في الامتيازات والفرص بطبيعة الحال، وهو بالضبط ما يضيق به كل الغاضبين من الأحداث البراقة التي تقام بدعوات شديدة الحصرية، ولا تعبر عن نسيج المجتمع أو تندمج فيه وتتآلف معه'.
هذا بالضبط ما يتحدث عنه الناقد الفني محمد عبدالرحمن، الذي يقول إن صعوبة الوصول إلى المهرجان أحد أسباب تلك النظرة التي باتت راسخة، موضحاً 'لو كان يقام في مدينة مفتوحة مثل الغردقة على سبيل المثال، لم يكن ليحظى بتلك الصورة أبداً، حيث إنها مدينة عادية متعددة الطبقات، من السهل على قاطنيها الوجود والمتابعة وفق الشروط الموضوعة، في حين أن الجونة ليست للجميع، مثلها مثل قرى ساحلية كثيرة وتجمعات سكنية أيضاً لها شروط في الدخول، فهذا يضاعف من الشعور بأن هذا الحدث لا يمثل إلا فئة ما تحظى باهتمام'.
فكرة التنوع في المهرجانات مطلوبة، لأن الأمر في النهاية يحدث رواجاً يفيد كل الأطراف، لكن تبدو الأمور في المهرجانات العالمية بالفعل أكثر التصاقاً بنسيج المجتمع المحيط، وهو أمر يتحقق في مدن مثل كان وفينيسيا، ففي حين أنها مدن سياحية باهظة، لكن الدخول لها ليس في حاجة إلى تصريح بالنسبة إلى سكان فرنسا أو إيطاليا، وهذا فارق جوهري، لكن بصورة عامة تبدو الحملة على المهرجان في بعض الأوقات وكأنها تحمله أكثر مما يحتمل، فمن ظلم هذا الحدث السينمائي البارز، وهل هندسة الحملة الدعائية منذ البداية أسهمت في هذه الأزمة؟
يلخص الناقد محمد عبدالرحمن الأمر في عوامل عدة. مشيراً إلى أنه من الطبيعي أن يكون هناك اهتمام بأمور مثل الإطلالات على هامش المهرجان مثلما يحدث في العالم كله، كما أن طبيعة الملابس نفسها من المنطقي أن تكون مختلفة بحكم أنها مدينة ساحلية، لكن في الوقت نفسه يرى أن هذا الجانب بات مبالغاً فيه وأصبح 'بيزنس' أسهم فيه كون النجوم والنجمات ينقلون إقامتهم الكاملة للجونة في ذلك الوقت، ولا يكتفون بالتردد على فعالية أو اثنتين فقط خلال أيام المهرجان مثلما يحدث في القاهرة مثلاً، لذا ففرصة ظهورهم كبيرة، فيهتم المصممون بأن يتعاونوا معهم بأكثر من إطلالة على مدار اليوم، لتحقيق فائدة للطرفين، فهذه صناعة مستقلة تطغى على الجانب السينمائي بحكم تركيز مواقع التواصل الاجتماعي عليها، وهي أحد أبرز الانتقادات الموجهة إلى المهرجان، التي تفجر بدورها مناقشات قد تصنف بالطبقية.
ومن ضمن الأسباب أيضاً التي أسهمت في تصدير صورة للمهرجان غير سينمائية أو متعلقة بالنميمة، هو وجود سوء حظ رافق عدداً من دوراته السابقة مثل الحرائق والتصريحات المثيرة والمواقف العبثية، ومن العوامل المؤثرة أيضاً في رأي عبدالرحمن الذي حرص على حضور غالبية دورات المهرجان، هو أن جمهور المهرجان محدود بمحدودية المدينة، ولهذا فمشاهدو الأفلام المعروضة قليلون للغاية مقارنة بالقاهرة، ولهذا تختفي مناقشة الأفلام تقريباً بين عموم الناس رغم أهميتها، وحتى مع عرض بعض منها في سينما زاوية بالقاهرة هذا العام لمحاولة تفادي تلك الأزمة يبقى التأثير محدوداً ومنفصلاً عن زخم الجونة.
وأضاف عبدالرحمن، 'كانت هناك أخطاء أساسية أيضاً للمسؤولين عن الدعوات بالتركيز على دعوة بعض المؤثرين الذين يتناولون فعالياته بسطحية ويبتعدون عن أنشطته المهمة والجادة، وكذلك دعوة بعض الفنانين غير المتحققين الراغبين في إثارة الجدل وتحقيق الشهرة بتصرفات غريبة'، مختتماً حديثه: 'المهرجان حالياً يدخل مرحلة النضج، وربما نشهد توجهاً مختلفاً في دورته المقبلة، مع مزيد من الاهتمام بنشر الوعي السينمائي، واعتماد أشكال للترويج للأفلام بصورة أكثر تأثيراً، وتوسيع دائرة حضوره الجماهيري بصورة أو بأخرى؛ ليكون صوت السينما أعلى من صخب الريد كاربت أو حتى موازياً لها'.
استعراض السجادة الحمراء أحد أبرز الأسباب التي جعلت البعض يتهم المهرجان بأنه معبر قوي عن الابتعاد الطبقي الشديد في مصر، وهنا يحلل الطبيب النفسي أحمد فوزى صبرة هذا التوجه مشيراً إلى أنه بحكم اقترابه من دوائر فنية كثيرة، وبحكم متابعته الدقيقة للمفاهيم التي رسخها هذا المهرجان في النفوس، فإن له تأثيرات سلبية كثيرة على كثير من الأفراد داخل المجتمع المصري، مثلما يسعد به البعض، لكن في ظل هذا الظرف الاقتصادي تأتي الطريقة التي يروج له بها، لتزيد من حالة السخط المجتمعي.
ويتابع، 'هذا المهرجان مختلف تماماً، نظراً إلى أن فكرة حضور فعالياته البراقة أصلاً لا تتاح إلا في ظروف معينة، إما لساكني الجونة وملاك العقارات بها، أو من لديهم الحظوة ويجري دعوتهم، وكل هذا يلزمه تصريح بصورة أو بآخر، ورفاه مادي، حيث الأمر هنا يشبه تماماً فكرة الكومباوند أو التجمع السكني المحاط بأسوار، بعكس القاهرة، فالمهرجان مفتوح، ويقام وسط الناس وسهل متابعة فعالياته عن قرب، لكن السفر إلى الجونة ساعات عدة وتدبير مكان للإقامة، كلها أمور تصعب الحالة على عموم الجماهير الذين يتابعون كل تفصيلة وهم ممنوعون من الحضور لأسباب كثيرة بينها المادية'.
يشدد صبرة على أن الحالة التي يفجرها المهرجان كل عام، تزداد عمقاً لاعتقاد المشاهد البعيد أن هذه هي يوميات الفنانين الحقيقية في حياتهم العادية كل يوم وكأنهم من كوكب آخر حياته كلها احتفالات فحسب، وهو أمر غير حقيقي لكنه أصبح يقينياً بالنسبة إلى غالبية الجماهير.
وحلل الأمر بأن الشباب العاديين الذين يطلب منهم الاهتمام بالشهادات العلمية والكفاح، يشاهدون شباباً في مثل أعمارهم ولديهم مليارات أو في الأقل ملايين الدولارات، فيتساءلون متى سيصلون لتلك المرحلة، لتكون الإجابة أن الأمر شبه مستحيل في ظل الفرص والظروف الحالية، مضيفاً 'يرون المشاهير يجهزون للمهرجان من قبلها بأشهر، بالاعتماد على أفخم الثياب والمجوهرات بسعر باهظ قد لا يتمكن أي منهم من توفيره طوال حياته، لأنهم يتعثرون أمام تدبير النفقات اليومية من الأساس'.
بالنسبة إلى تريند الإطلالات وكلف الأكسسوارات فقد شغل الناس هذا العام لمدة لا بأس بها، لا سيما بتصريحات الفنانة أمينة خليل عن قرطها متواضع الكلفة، في مقابل أن هذا المبلغ يمثل نسبة ليست هينة قد تقترب من ثلث الحد الأدنى للأجور المعمول به رسمياً، كذلك الفعاليات اليومية التي تشهد استعراضات للمقتنيات الشخصية، وتظهر ملونة وفارهة وكأنها في عالم آخر تقام في مكان له شروط لمن يدخله، مما عمق من فكرة الغضب التي تغذيها مواقع التواصل الاجتماعي بطبيعة الحال بصورة سلبية ومبالغ فيه.
والملاحظ أن الطريقة التي قدم بها المهرجان من البداية لم تكن موفقة ويدفع صناعه ثمنها إذ لم يجعلوا الفعاليات أكثر انسجاماً وقرباً من نسيج المجتمع، مما جعل فكرة الطبقية تتجذر بصورة أخرى وتظهر بصور متعددة، من خلال تضخيم أي سلوكيات تجرى على أرض الجونة، مثل النظر للتصريحات التي يطلقها المشاهير هناك وأسلوب حياتهم الظاهر للعلن على أنه 'خارج نطاق الخريطة الأخلاقية' بالنسبة إلى الساخطين، وهو ما تمثل في الهجوم على يسرا بسبب ما قالته من طريقة المخرج يوسف شاهين في التعامل معها.
وكذلك في الوصاية الأخلاقية التي مورست ضد ابنة الفنان صبري فواز بسبب ملابسها، حيث بدا النقاش شديد التناقض بين من يرون أن ملابسها لا تليق لأسباب دينية، بينما يسبونها بألفاظ يحاسب عليها القانون وترفضها التعاليم بكل تأكيد، وقبل كل ذلك حالة الغضب التي تزداد في المجتمع ضد الفنون بصورة عامة تزيد مع التوتر الذي يصنعه المهرجان، الذي يشبه كثيراً ما يحدث في المجتمع طوال العام، لكن بصورة متفرقة، حيث يبدو الأمر وكأن البعض أخيراً وجد وسيلة واحدة لتفريغ طاقته المتعلقة بأزمات نفسية أو اقتصادية أو مجتمعية، فيظهر الانتقاص من المهرجان على هيئة هجوم حاد تارة أو السخرية والتقليل من شأنه تارة أخرى.
إلا أن الأمر وصل هذا العام إلى تداول مصطلح 'المستوطنة' لوصف مدينة الجونة، وهو تعبير شديد القسوة كان الهدف منه التعبير عن الانفصام التام بين فعاليات المهرجان الذي يتخذ من 'سينما من أجل الإنسانية' شعاراً له، وطريقة تنظيمه والغالبية العظمى من الجماهير، وكذلك في إبراز الامتيازات الطبقية التي يتمتع بها رواد الجونة التي ارتبط اسمها بصورة وثيقة بمؤسسيها من عائلة ساويرس، التي تضم عدداً من رجال الأعمال المصنفين ضمن قائمة الأغنى عالمياً، وأبرزهم الشقيقان نجيب وسميح ساويرس مؤسسا المهرجان، في حين قوبل الوصف بهجوم حاد من كثير من الصناع ورواد المهرجان، معتبرين أنه تعبير غير عادل، مبدين إعجابهم بتجربة الجونة التي تتيح عروضاً مهمة وحريات مجتمعية ربما لا تتوافر في أماكن أخرى مما يثري فكرة التنوع والرحابة.
ترى المتخصصة في علم الاجتماع الدكتورة هالة منصور أن تعبير 'مستوطنة' قد يكون شديداً لكنه له سند، إذ تشير إلى أن الهدف منه هو محاولة وصف تجربة الجونة بصورة عامة المرتبطة بالرأسمالية وعالم رجال الأعمال المعروفين بابتعادهم عن الواقع وإثارتهم للجدل مع الجماهير، وكذلك ابتعاد المكان جغرافياً بصورة ملحوظة، وكذلك شروط دخوله المعقدة، تجعل الأمر مربكاً وسلبياً ويمثل أفكاراً ومفاهيم مزعجة لكثيرين في ظل الأزمات الاقتصادية وقبلها السياسية والاجتماعية والإنسانية، كما أن الصورة التي حرص صناع المهرجان على تصديرها عنه كانت صورة للهو والعبث وليست فنية جادة وعميقة وممتعة.
وتوضح الأكاديمية والمتخصصة في علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن كل هذه الأمور جعلت المهرجان يشبه 'العزومة' التي يحظى بها من هم ضمن الشلة وليس مستحقي الظهور والحضور، لتضيف: 'هو احتفالية أكثر منه مهرجاناً سينمائياً وفقاً للصورة الذهنية عنه، هو نموذج أكثر وضوحاً لفكرة سهرات الكومباوندات المغلقة، التي تنتشر مقاطع منها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأعتقد أن هناك خللاً ما حدث جعل المهرجان موصوماً بالتفاهة أو الانفصام، وأصبح مهرجان فساتين فقط وتريند للقطات سطحية، من دون التركيز على الاهتمام بالأفلام أو بأي أنشطة أخرى مفيدة له، وهي مفارقات بحد ذاتها تجعله مادة للسخرية والانتقاد التي توجه له من قبل المتخصصين في التحليل الاجتماعي ونقاد الفن والجمهور العادي بالطبع'.


































