اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
قال الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، إنه إيمانًا منا بقيم العدالة ورفض البغي والعدوان؛ فإننا نبذل كمصريين بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي كل جهودنا لإطفاء نيران الحرب في غزة وفي الضفة الغربية، ونرفض قيادةً وشعبًا رفضًا قاطعًا تهجير أشقائنا الفلسطينيين من أرضهم، وندعوهم للتمسك التام بأرض وطنهم مهما كانت التضحيات الفادحة، وأنه لا حل للأزمة إلا بقيام الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأضاف الأزهري، خلال كلمته في ذكرى المولد النبوي الشريف، بمركز المنارة الدولي للمؤتمرات، اليوم الأربعاء، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن احتفالنا اليوم بالمولد النبوي الشريف له خصوصية مهمة يفترق بها ويتميز عن احتفالاتنا المعهودة كل سنة، وذلك أن احتفالنا بالمولد النبوي اليوم لسنة 1447هـ من الهجرة، هو في الوقت نفسه احتفال بالمولد النبوي المتمم لألف وخمسمئة سنة من مولده الشريف، ولذا، فنحن اليوم في احتفال على رأس المئة، ولا يتكرر ذلك إلا بعد قرن من الزمان، وإذا كنا اليوم على رأس مئة سنة، فإن هذا يذكرنا مباشرةً بقوله صلى الله عليه وسلم: 'إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة مَن يجدد لها دينها'.
وتابع الأزهري بأنه بعد عقود مضت من معاناتنا من فكر الإرهاب الذي دمر دولًا وأرهق عقولًا، فلعل الله تعالى أراد بنا الخير، حتى نشهد رأس مئوية محمدية، عسى أن تكون مؤذنة بميلاد تجديد للدين، يطفئ نيران التطرف، ويكشف عن جوهر الدين ورونقه، قال الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة: (إنما التجديد هو أن يُعاد إلى الدين رونقه، ويُزال عنه ما علق به من أوهام، ويُبين للناس صافيًا كجوهره، نقيًّا كأصله).
واستكمل وزير الأوقاف: ولقد ظللت على مدى سنوات أتتبع المؤلفات التي تناولت قضية التجديد؛ من مثل كتاب (تحفة المهتدين بأخبار المجددين)، للإمام السيوطي، وكتاب (التنبئة، بمن يبعثه الله على رأس كل مئة)، وكتاب (بغية المجدين في معرفة المجددين)، للعلامة محمد حامد المراغي الجرجاوي، وصولًا إلى كتاب (المجددون في الإسلام) للأستاذ أمين الخولي، وكتاب (المجددون في الإسلام) للأستاذ عبد المتعال الصعيدي، وكتاب (طبقات المجتهدين) لمحمد أبي المزايا الكتاني، مع نقاش العلماء في رأس المئة، هل هي من مولده أو مبعثه أو هجرته، وهل هي أول القرن أو آخره؛ لكننا نتلمس في الفهم أي ملمح ينفتح لنا به باب الأمل والهمة، وخرجت من ذلك بملاحظتَين:
الملاحظة الأولى: أن غالب من وصفوا بالاجتهاد والتجديد كانوا مصريين، مثل: عمر بن عبد العزيز، والإمام الليث بن سعد، والإمام الشافعي، والإمام العز بن عبد السلام، والإمام ابن دقيق العيد، والإمام تقي الدين السبكي وولده الإمام تاج الدين، والإمام السيوطي، وعشرات سواهم، تحدث عنهم الحافظ السيوطي في كتابه (حسن المحاضرة)، حتى خلص إلى نتيجة عظيمة يقول فيها (ومن اللطائف أن غالب المبعوثين على رؤوس القرون مصريون)، حتى يختم بقوله: (وعسى أن يكون المبعوث على رأس المئة التاسعة من أهل مصر)، ولم يخيب الله ظنه ورجاءه فكان هو مجدد زمانه، ونحن اليوم نرجو من واسع فضل الله أن تكون عملية التجديد نابعة من أرض الكنانة مصر، هدية منها لأشقائها وللعالمين.
واستكمل الأزهري: الملاحظة الثانية: أن هناك فارقًا بين الكلام عن التجديد والكلام فيه، أما الكلام عنه فهو الغالب بين الناس، يقولون فيه أين التجديد، ونريد التجديد، وينبغي، ولا بد، وينخرطون في حوارات مطولة عنه، وعن ضرورته، وأهميته، وافتقادنا له، والآثار السلبية لعدم وجوده، وهذا كله حديث عنه.
وأضاف وزير الأوقاف: أما الحديث فيه فهو صناعة ثقيلة، تحتاج إلى من يشمر ذراعيه، ويصوغ برامج التعليم والتدريب، التي تدرس علوم الشريعة متكاملة، وعلوم الواقع متكاملة، والعلوم الرابطة بينهما، حتى تولد أجيالًا تبحر في فهم الشرع الشريف، وتبحر في إدراك الواقع، وتحسن الربط بينهما، ولعل الله أن يمن عليهم بعد ذلك بالفتح والفهم والنور والبصيرة والتوفيق فيسفر هذا العمل التعليمي التدريبي عن عقول تقتدر على توليد أجوبة على كل أسئلة العصر وأزماته ونوازله وتحدياته ومشكلاته وتحيراته، بعد فهم تشابكاته وموازينه وعلاقاته، فتكون قد وجدت صناعة التجديد بأجلى صورها.
ونوه الأزهري بالقضية الثانية، قائلًا: لقد جعل الله الأخلاق هي العنوان الأكبر لهذا الدين السمح، وجعل الله أعظم مناقب نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم هي الأخلاق، فقال سبحانه: (وإنك لعلى خلق عظيم)، ولقد ذهبنا نتتبع ونحصر كل الأحاديث النبوية الشريفة حصرًا تامًّا مستوعبًا، من كل أقواله وأفعاله وأوصافه ومواقفه صلى الله عليه وسلم، وحذفنا المكرر منها، ورحنا نتساءل: تُرَى كم يبلغ عددها؟ فوجدنا إمام المحدثين الحافظ ابن حجر يقول: (لَوْ تُتُبِّعَتْ مِنَ الْمَسَانِيدِ وَالْجَوَامِعِ وَالسُّنَنِ وَالْأَجْزَاءِ وَغَيْرِهَا بلا تكرار لَمَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ أَلْفًا)، فلدينا إذن خمسون ألف حديث هي مجمل كل الهدي النبوي الشريف، والذي يتعلق منها بكل الشعائر والعبادات والفرائض والأحكام لا يزيد على خمسة آلاف حديث كما أشار إليه الإمام الغزالي، فإذا طرحنا خمسة آلاف حديث من الخمسين ألفًا يبقى لنا خمسة وأربعون ألف حديث تدور كلها حول الأخلاق والآداب والفضائل والشمائل والتزكية والأدب والذوق الرفيع في كل تفاصيل الحياة ووجوه تصرفات البشر الظاهرة والباطنة، فخلاصة هدي سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، أنه بحر محيط عظيم من الأخلاق والآداب في كل شؤون الحياة بها يسري النور إلى العبادات والعمران.
وتابع الأزهري: ثم إن الأخلاق والقيم على نوعين: قيم بقاء وقيم انطلاق: أما قيم البقاء فهي التي تكفل البقاء والاستمرار للإنسان وللمجتمعات، مثل الصبر والصفح والعفو وكظم الغيظ والبر وما أشبه، وأما قيم الانطلاق فهي التي تحرك المجتمعات للعمران والتمدن والتطور وبناء المؤسسات وصناعة الحضارة، وهذا من أعظم مقاصد الشريعة، وهذه القيم مثل: الهمة، الإبداع، الإتقان، الفكر، السعة، التطوير، الاستدامة، العمل، النجاح، الجمال الذي يحبه الله، التنافس، التجرد ونكران الذات، اكتشاف المواهب وبناء العقول، وتعظيم العلم، الابتكار، والترقي الدائم في كل شيء، والتعلق بصناعة القمم العليا في كل شيء، وصناعة الحضارة، وتعارف الحضارات، ويمكن أن نورد لكل قيمة من هذه القيم عشرات ومئات من الأحاديث النبوية، وحينئذ تبنى الأوطان وتقوى، ويستقر عمرانها واقتصادها، وتستطيع المنافحة عن رؤيتها وكلمتها وقرارها، فأين أنتم منها أيها المسلمون، وأين أنتم منها أيها العلماء والفقهاء، وأين أنتم منها أيها الخطباء الدعاة؟ أليس هذا من صميم هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم؟ ألن يأتي يوم القيامة ليقول لنا لقد فرطتم في توصيل هديي وشرعي بكماله؟ فما الذي سنجيب به في موقف الحشر الأعظم، ونحن اليوم ما زلنا في فرصة الاستدراك والعمل؟
واستطرد وزير الأوقاف: القضية الثالثة: قبل نحو ثمانمئة سنة، هنا على أرض مصر، وقف أستاذنا وشيخنا إمام المجددين الإمام العز بن عبد السلام يقول: (إن مقاصد الشرع الشريف بأكملها لو جمعت في كلمة واحدة ترى ماذا تكون تلك الكلمة، فيقول: إنها كلمة الإحسان).
وأضاف الأزهري: وقد انطلقت من هذا الكلام الحكيم، أتأمل القرآن الكريم، فوجدت أن هناك ثلاث كلمات في القرآن علمنا الله أن نربطها بكل شيء: وهي الإحسان والإتقان والرحمة، فقال سبحانه: (الذي أحسن كل شيء خلقه)، وقال سبحانه: (صنع الله الذي أتقن كل شيء)، وقال سبحانه: (ورحمتي وسعت كل شيء)، فأحسن كل شيء، وأتقن كل شيء، ورحم كل شيء، وكأنه سبحانه يعلمنا ويقول: أحسنوا في كل شيء، وأتقنوا كل شيء، وارحموا كل شيء، ثم ذهبت أتأمل: ما الفارق بين الإحسان والإتقان؟ فظهر لي أن الإحسان درجة أعلى من الإتقان، إنه قمة الإتقان وذروته، إن الإتقان هو فعل ما يجب كما ينبغي، وإن الإحسان هو الإتقان مع الحب، فإذا أتقن الإنسان إتقانًا ممزوجًا بالحب ولد الإحسان، إذ ربما يتقن وهو متضجر أو كاره أو يائس، فيوجد الإتقان المحدود الجزئي المظلم العقيم، إما إذا ما أحب ما يتقنه فإنه يتفنن فيه، ويبدع فيه، ويجود ويطور ويبدع ويزيد ويكمل فيه، فيوجد الإحسان الذي هو قمة الجبل الذي يسمى إتقانًا.