اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الأول ٢٠٢٥
في واحدة من أعظم لحظات العزة في تاريخ مصر الحديث، حين خاض الأبطال معركة الشرف ودوّى هدير المدافع بنغمة الكرامة، كانت هناك معركة أخرى لا تقل ضراوة، تُخاض بصمت وعزيمة، بعيدًا عن أزيز الرصاص... إنها معركة الدبلوماسية، التي خطّت لمصر نصرًا بالكلمة كما خطّه الجنود بالدم.
ما قبل الحرب: إعداد الساحة الدولية بحكمة ودهاء: منذ اللحظة الأولى، أدركت القيادة المصرية أن المواجهة ليست فقط على جبهات القتال، بل في أروقة السياسة، وفي دهاليز القرار العالمي.
وفي عالم منقسم بين قطبين، كانت مصر تسعى بذكاء إلى تحييد العداوات، وكسب التعاطف، وفتح نوافذ الحياد في وجه الانحياز الأمريكي السافر للعدو الإسرائيلي.
حملت الدبلوماسية المصرية رسالة واضحة للعالم: أننا لسنا دعاة حرب، بل أصحاب حق... ولسنا غزاة، بل نردّ الحق إلى أهله
فحُملت تلك الرسالة إلى كل منبر، بكل اللغات، وفي كل العواصم، حتى بدأ الرأي العام العالمي يتحول، وبدأت شرعية الاحتلال تهتز، قبل أن تُطلق أول رصاصة.
ومع انطلاق المعركة… اشتعلت جبهة السياسة ففي 6 أكتوبر 1973، بينما كان الجيش يعبر القناة ويكتب المجد على ضفافها، كانت الخارجية المصرية تتحرك بخطى واثقة على جبهتها الخاصة:
• نظّمت المؤتمرات الصحفية التي نقلت صوت مصر للعالم دون تزييف.
• نسّقت مع الأشقاء في الوطن العربي ومع الدول الأفريقية والآسيوية، فكوّنت جبهة دولية مؤيدة.
• تحركت ببراعة في أروقة الأمم المتحدة، ففرضت حضور مصر بقوة على طاولة النقاش الدولي.
صوت مصر يعلو رغم ضجيج الإعلام المنحاز: وفي وجه آلة إعلامية غربية تميل للكفة الإسرائيلية، وقفت الدبلوماسية المصرية صلبة كالجبل، تردّ على كل افتراء بالحجة والمنطق، وتؤكد للعالم أن ما يجري ليس عدوانًا، بل دفاع عن الأرض، وكرامة وطن لا يقبل الذل.
حين جاء السلاح من واشنطن… جاء الرد من القاهرة.
عندما أعلنت الولايات المتحدة دعمها العسكري العلني لإسرائيل، لم تصمت مصر. بل جاء الرد مدوّيًا، منسقًا مع الدول العربية، باستخدام سلاح النفط، الذي زلزل مواقف الغرب، وأجبره على إعادة حساباته.
لم يكن هذا تحركًا عشوائيًا، بل خطوة ضمن استراتيجية مصرية متكاملة، تمزج ببراعة بين قوة السلاح ودهاء السياسة، فكانت الحرب على الأرض، والدبلوماسية في السماء، والنتيجة: نصر شامل على كل الجبهات.
ما بعد الحرب: انتهت المعارك العسكرية، لكن معركة أخرى بدأت… مفاوضات ما بعد الحرب. وفي محطات مصيرية مثل الكيلو 101 ومؤتمر جنيف، أثبتت مصر أن دبلوماسيتها لا تقل بأسًا عن جيشها، فكان الموقف المصري صلبًا لا ينكسر:
• لا تنازل عن الأرض.
• لا تفريط في السيادة.
• ولا خضوع لأي ضغط.
أدارت القاهرة هذه المرحلة الحساسة بحنكة ووعي، فصارت رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه في معادلة الشرق الأوسط.
لم تكن دبلوماسيتنا مجرّد إدارة للعلاقات الخارجية، بل كانت ضمير الوطن، وصوت الشعب، وسيف العقل الذي شق طريق النصر بهدوء وثبات.
لقد أكدت مصر للعالم أن القوة الحقيقية ليست فقط في عدد الدبابات والطائرات، بل في وعي القرار، وحنكة القيادة، وصلابة الإرادة.
تحية لمن حملوا راية الكلمة في زمن السلاح
تحية لكل دبلوماسي مصري واجه العاصفة، ورفع صوت مصر عاليًا حين خفتت الأصوات، وتحمل عبء الوطن في أصعب اللحظات، فكان الجندي على جبهة السياسة لا يقل عن الجندي في الميدان.
وتحية خالصة للقيادة السياسية الحكيمة، التي أدارت معركة النصر في ساحات القتال والسياسة معًا، فأعادت لمصر مكانتها، وفرضت احترامها على العالم.
أكتوبر لم يكن فقط نصرًا عسكريًا، بل كان ملحمة وطنية متكاملة... سطرها الجنود بالبندقية، وأكملها الدبلوماسيون بالقلم، فكانوا بحق: سيف مصر الهادئ...