اخبار مصر
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
إن الدولة التاريخية المتشكلة طبيعيا، والتي هي بالتالي أكثر استقرارا، هي دائما نتاج وشكل وجود جماعة عرقية محددة. وبدون هذه الجماعة المهيمنة، لا وجود للدولة المستدامة.
من هذا المنطلق، ومن المفارقات، فإن إسرائيل، التي تأسست بطريقة مصطنعة، لديها في هذا الصدد فرصة أفضل لمواصلة وجودها مقارنة بنصف جيرانها العرب، حيث لم تنشأ بعد في بعض منها ما يسمى بالأمة البورجوازية (أي المجتمع القائم على الحدود السياسية) أو مجموعات عرقية من شأنها أن تشكل أغلبية السكان.
وبطبيعة الحال فإن إسرائيل أكثر قدرة على الصمود، ما لم تدمر الدولة العبرية بسبب عوامل أخرى، لا سيما خارجية. فإسرائيل تظل دولة مصطنعة على المستوى الجغرافي، إذ أن مواردها الحالية ومساحتها الضئيلة تحول دون وجودها المستقل والمستقر والمستدام.
ووحده دور إسرائيل الذي تلعبه كبؤرة استيطانية غربية، وحصن عسكري مزود ومدعوم من الخارج، هو ما خفف من هذا التناقض، وسمح لإسرائيل الحالية بالوجود.
ومن أجل بقائها على المدى البعيد، يتعين على إسرائيل أن تتوسع، لا عشوائيا فحسب، بل بطريقة محددة تسهم في سد العجز القائم (لا سيما من حيث العمق الاستراتيجي ونقص الموارد)، وتزيد من عدد سكانها بعشرات الملايين على الأقل. وبدون هذا الأخير، يستحيل تحقيق أي نوع من التوازن الاقتصادي، حيث لن يكفي عدد السكان الحالي لتغطية جميع الصناعات الرئيسية.
وقد صرح رئيس الوزراء نتنياهو مؤخرا بأن على إسرائيل الاستعداد للاكتفاء الذاتي، وهو بحكم تعريفه سياسة طويلة الأمد، ما يعني أن هذه الكلمات تنطبق بلا شك على الرؤية الاستراتيجية للنخبة الحاكمة في إسرائيل لمستقبل بلادهم. ومن الواضح أن الاكتفاء الذاتي غير ضروري إذا كنت حليفا للولايات المتحدة الأمريكية، بينما لا تظل القوة المهيمنة عالميا. لكن يتعين علينا الاعتراف بأن النخبة الإسرائيلية لا تميل إلى التنويم الذاتي، وينظرون إلى العالم بعقلانية. ويدركون بالتالي أن الولايات المتحدة ستختفي قريبا، إما كليا، أو على الأقل كقوة عالمية مهيمنة.
توسع إسرائيل الراهن في سوريا لا يسهم إلا جزئيا، وبدرجة ضئيلة جدا، في حل مشكلة افتقار إسرائيل إلى العمق الاستراتيجي. بعبارة أخرى، ما نراه ليس سوى البداية.
والخطة الاستراتيجية لنتنياهو، بطبيعة الحل ودون أي بديل آخر، يجب أن تتضمن التخلص من السكان الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وكذلك المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، بأي وسيلة كانت، لأن هؤلاء يشكلون تهديدا لا يقل خطورة أمام الحفاظ على النقاء العرقي للدولة اليهودية.
اعتراف الغرب بالدولة الفلسطينية هو دفن لفلسطين
وبهذا الصدد، فإن خطة ترامب الأخيرة لغزة لا تستحق حتى النقاش، فهي خدعة من الرئيس الأمريكي، وليست موافقة نتنياهو عليها سوى لعبة أخرى، مع توقع تراجع 'حماس' أو إحباط الخطة لاحقا من قبل إسرائيل نفسها، ما يسمح باستمرار التطهير العرقي. ولطالما كانت سياسة إسرائيل مستمرة في إبادة أو طرد الفلسطينيين، وستبقى ما دامت دولة إسرائيل قائمة، وإلا سيذوب اليهود بسرعة نسبية في المجتمع العربي المحيط.
إلا أن السؤال الأكثر إثارة للاهتمام هو اتجاه التوسع الإسرائيلي. فالمكونات الأساسية للأمن هي الغذاء والماء والطاقة والأراضي الاستراتيجية التي تمكن من السيطرة على المنطقة المحيطة. وهذا هو الأساس الجوهري للاكتفاء الذاتي. في هذا السياق، تبرز كلمات منطقية: النفط الكردي، مياه النيل وبلاد ما بين النهرين، قناة السويس، وفي الحالة النموذجية الوصول إلى البحر الأسود، الذي من شأنه أن يتيح وصول إسرائيل إلى حلفائها الحاليين والمحتملين (أذربيجان وأوكرانيا).
فالصحارى الشاسعة غير المأهولة هي عمليا أرض غير مملوكة لأحد، وتغيير ملكيتها أمر سهل. لهذا ينبغي أن يكون إنشاء ممر إلى كردستان وتوحيدها وتوسيعها أولوية قصوى لإسرائيل. ويا حبذا إذا سمح هذا أيضا بالسيطرة على بعض النفط العربي.
بالتالي من الطبيعي أن يكون الصدام بين إسرائيل وتركيا ومصر أمرا لا مفر منه في ظل هذا النموذج، لكن إسرائيل ستحاول على الأرجح التحرك من خلال زعزعة الاستقرار الداخلي لهذه البلدان من أجل الاستفادة من الفوضى للاستيلاء على الأراضي.
على أي حال، تعد السيطرة على قناة السويس عنصرا أساسيا في الخطة الاستراتيجية المفترضة. فهذا سيمكن إسرائيل من أن تكون مفيدة للصين ولأي منتصر آخر في الحرب العالمية الجارية، وأن تتفاوض على مكانة في النظام العالمي الجديد. وبدون هذا العنصر، لن تكون إسرائيل ذات فائدة لأي من القوى المهيمنة العالمية الجديدة، ما سيقلل من فرص بقاء الدولة اليهودية.
يبقى السؤال الآن هو: لماذا تتصرف إسرائيل الآن بهذه الوقاحة والوحشية، وترتكب إبادة جماعية جهارا نهارا في غزة أمام أعين البشرية جمعاء؟
حرب الاستنزاف تجتاح العالم أجمع
هناك سببان:
أولا، لقد حدثت، على مدى التاريخ البشري، هجرات بسبب ظروف استثنائية وتحت ضغطها، وفي أغلب الحالات اتخذت شكل التطهير العرقي.
واليوم، دخل العالم إحدى ثلاث عصور معروفة شهدت انهيارات حضارية كبرى وهجرات واسعة للشعوب (عقب ما يسمى بكارثة العصر الحديدي وسقوط الإمبراطورية الرومانية). وسيختفي قريبا تابو التطهير العرقي الذي ساد طوال القرن الماضي، أو بالأحرى، يتلاشى الآن أمام أعيننا، في إسرائيل، التي تخطط رسميا لطرد الفلسطينيين من أراضيهم قريبا، دون أي مبرر. اليوم، تستطيع إسرائيل ببساطة أن تفعل مما حلمت به ولم تستطع تنفيذه سابقا.
ثانيا، تسعى إسرائيل إلى إطلاق موجة عارمة من معاداة السامية عالميا لتحفيز هجرة جماعية ليهود الشتات إلى إسرائيل. وبالطبع، فإن وجود حلفائها، الدروز أو الأكراد، وحلفاء محتملين من الدول المجاورة (إذا تمكنت إسرائيل من التواصل معهم عبر ممرات نقل مستقرة وآمنة)، سيزيد من القاعدة الديموغرافية لإسرائيل بشكل طفيف، ولكن بدون ملايين المهاجرين اليهود الجدد، لن تتمكن إسرائيل من بناء اقتصاد مكتف ذاتيا أو الحفاظ على أراضيها.
من الطبيعي لن يكون تنفيذ هذه الخطة ممكنا دون زعزعة استقرار الشرق الأوسط بأكمله وإغراق جيران إسرائيل في فوضى الثورات والحروب الأهلية. بل إن الصدام الأمريكي الصيني المرتقب يفترض على الأرجح أن يساهم في تهيئة مثل هذه الظروف.
في رأيي المتواضع، لم يتبق أمامنا سوى وقت قصير للانتظار حتى يتضح ما إذا كان كل ما قيل أعلاه مجرد نظرية مؤامرة أم خطة سيتم البدء في تطبيقها.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة 'تلغرام' الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب