اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
في تطور خطير يعكس هشاشة الأوضاع في الجنوب السوري، أعلنت الحكومة السورية، الثلاثاء، أن قواتها دخلت معقلًا رئيسيًا للدروز في محافظة السويداء، بعد اندلاع اشتباكات دامية بين مسلحين دروز وعشائر بدوية نهاية الأسبوع، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى. التحرك السوري أثار مخاوف من اندلاع حملة جديدة تستهدف الأقليات، ما دفع إسرائيل إلى التدخل العسكري بزعم حماية الطائفة الدرزية، في خطوة تضيف مزيدًا من التعقيد إلى المشهد الإقليمي المضطرب أصلًا.
وفي وقتٍ تتواصل فيه التوترات الميدانية، يبرز تساؤل رئيسي: ما هو الدور الذي تلعبه إسرائيل في هذه المواجهات؟ وهل تعكس تدخلاتها نوايا إنسانية بحتة، أم أنها جزء من استراتيجية أوسع تتقاطع مع التحولات التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام الأسد؟
اندلعت الاشتباكات في مدينة السويداء الجنوبية بين قوات درزية ومسلحين من عشائر بدوية، ما أدى إلى مقتل 30 شخصًا وإصابة العشرات. وأمام تصاعد وتيرة العنف، أرسلت الحكومة السورية قوات إلى المنطقة، إلا أن تدخلها جاء مكلفًا، إذ قُتل 18 جنديًا في المعارك.
وأفادت مصادر محلية بانضمام فصائل إسلامية متحالفة مع دمشق إلى القتال خلال هذا الأسبوع، ما زاد من مخاوف الطائفة الدرزية، وأدى إلى تصعيد المطالبات بالحماية الدولية. فقد دعا الزعيم الروحي الدرزي، الشيخ حكمت الهجري، إلى 'تدخل دولي عاجل لحماية الدروز من حملة إبادة ممنهجة'، مؤكدًا في بيان مصور: 'نواجه حرب إبادة شاملة'.
من جهتها، أعلنت إسرائيل أنها نفذت ضربات جوية جديدة على القوات السورية المتقدمة نحو السويداء، مؤكدة التزامها بحماية الدروز في سوريا، انطلاقًا من 'التحالف الأخوي مع الدروز داخل إسرائيل'، وفق ما جاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأعلنت تل أبيب من طرف واحد منطقة 'منزوعة السلاح' في جنوب سوريا، ومنعت دخول القوات السورية إليها. وقد رفضت دمشق هذا الإجراء، واعتبرته انتهاكًا لسيادتها، مطالبة المجتمع الدولي بكبح التدخلات الإسرائيلية المتكررة.
يُذكر أن حوالي 130 ألف درزي يعيشون داخل إسرائيل، ويتم تجنيد الشباب منهم في الجيش منذ عام 1957. كما يعيش نحو 20 ألف درزي في الجولان السوري المحتل، حيث يرفض معظمهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية، ويُعرّفون أنفسهم كسوريين.
الدروز طائفة دينية عربية نشأت في القرن الحادي عشر في مصر، وتنتشر اليوم في سوريا ولبنان وإسرائيل. وهم يمارسون معتقدات دينية مغلقة لا تسمح بالتغيير الديني أو الزواج المختلط، ويشكلون أغلبية في محافظة السويداء جنوب سوريا، بالقرب من الجولان المحتل.
وقد واجه الدروز صعوبات كبيرة خلال الحرب الأهلية السورية، حيث وجدوا أنفسهم بين نيران قوات النظام والجماعات المتطرفة. وعلى الرغم من سقوط نظام الأسد نهاية عام 2024، فإنهم ما زالوا حذرين من النظام الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع، خاصة بعد تصاعد التوترات الأمنية ومحدودية تمثيلهم في الحكومة الجديدة.
مع وصول الرئيس الشرع إلى السلطة، تعهّد بتوحيد الفصائل المسلحة ضمن جيش وطني موحد. لكن الميليشيات الدرزية رفضت التخلي عن سلاحها، مطالبة بضمانات أمنية وتمثيل سياسي أوسع.
وفي أبريل، أسفرت مواجهات بين ميليشيات درزية والقوات الحكومية عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص، ما أظهر هشاشة التفاهمات بين الطرفين. كما أن اغتيالات واعتقالات طالت قادة دروز زادت من حالة الاحتقان.
وتُتهم الحكومة السورية الجديدة باستخدام فصائل سنية متشددة موالية لها ضد الأقليات، وهو ما حدث أيضًا في اللاذقية، مع حملة قمع دموية طالت العلويين، الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السابق بشار الأسد.
ورغم إعلان وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، عن 'وقف لإطلاق النار' في السويداء، فإن الوضع ما زال متوترًا، وسط انتشار للشرطة العسكرية لـ'ضبط السلوك العسكري ومحاسبة المخالفين'، وفق بيان رسمي.
تسعى إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، إلى توسيع اتفاقيات إبراهيم لتشمل دولًا مثل سوريا ولبنان. ويبدو أن تل أبيب ترى في الحكومة السورية الجديدة فرصة لإعادة تشكيل علاقاتها الإقليمية، رغم التوتر القائم.
فمنذ سقوط نظام الأسد، كثّفت إسرائيل ضرباتها داخل الأراضي السورية بذريعة منع 'إعادة بناء القدرات العسكرية' و'اجتثاث التشدد'. لكن هذه الهجمات تقوّض جهود الشرع لترسيخ سلطته في الداخل، وتضعف فرصه في تقديم أي اتفاق تطبيع على أنه 'نصر سيادي'.
وفي مايو، كشف مسؤول في إدارة نتنياهو أن إسرائيل أجرت محادثات غير مباشرة مع الحكومة السورية لوقف الهجمات، لكنها لم تُفضِ إلى نتائج. وسبق لنتنياهو أن وصف حكومة الشرع بأنها 'نظام إسلامي متطرف يهدد أمن إسرائيل'.
الدرزية ليست موحّدة بالكامل في موقفها من الحكومة السورية أو من إسرائيل. فبينما دعا حكمت الهجري إلى حماية دولية، أصدر زعماء دروز آخرون بيانًا يدعم تدخل الحكومة السورية في السويداء، ويدعو الجماعات المسلحة إلى تسليم سلاحها وبدء حوار مع دمشق.
هذا الانقسام يعكس المأزق المعقد الذي يعيشه الدروز: بين حكومة يعتبرونها غير منصفة، وتدخلات إسرائيلية تعتبرها شريحة واسعة منهم مسيّسة وتخدم أجندات إقليمية.
الوضع في السويداء يختصر مشهدًا أكبر من التوترات الطائفية والتدخلات الخارجية في سوريا ما بعد الأسد. فالمواجهات في الجنوب السوري تحوّلت إلى بؤرة صراع إقليمي، تتداخل فيها اعتبارات الأقليات، والسيادة الوطنية، والتحالفات الدولية.
وفي ظل غياب حل سياسي شامل، واشتداد المواجهات الميدانية، تبقى السويداء مرشحة لأن تكون ساحة اختبار حقيقية لمستقبل سوريا، ولسياسات الأطراف الإقليمية تجاهها.
وفي تصريحات خاصة لـ'صدى البلد'، أشار فهمي إلى أن دعم إسرائيل للدروز ليس خطوة عشوائية، بل يأتي ضمن استراتيجية واضحة لتفكيك الدولة السورية على أسس طائفية. ولفت إلى أن هذا الدعم يندرج في إطار مشروع تقسيم سوريا، الذي بدأ يجد طريقه إلى التنفيذ ميدانيًا، خصوصًا من خلال السعي إلى إقامة كيان درزي مستقل في الجنوب.
وأوضح فهمي أن إسرائيل تنظر إلى دروز سوريا كامتداد طبيعي لدروز الداخل، وتسعى إلى توفير غطاء عسكري لهم في مناطق استراتيجية مثل القنيطرة والسويداء والجولان، تمهيدًا لإقامة شريط حدودي يربط بينهم. كما حذّر من أن نجاح هذا المخطط قد يشجع أقليات أخرى في سوريا والعراق على السير في الاتجاه نفسه، مما يهدد بتفكيك شامل ويفتح الباب أمام موجات جديدة من الصراع الداخلي وانسداد مسارات الحل السياسي.
وعن البعد الإقليمي، أشار فهمي إلى أن استمرار الغارات الإسرائيلية، رغم اتفاقات التهدئة، يعكس نية واضحة لتصعيد مدروس، واختبار لقدرة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع على فرض الأمن. كما رجّح أن يتجه النظام السوري إلى توقيع اتفاق أمني مع إسرائيل لا يشمل انسحابًا من الجولان، بل يقتصر على تثبيت اتفاق فض الاشتباك، مؤكدًا أن سيناريو الصدام بات هو المرجح في ظل غياب أي مؤشرات على تهدئة حقيقية.