اخبار اليمن
موقع كل يوم -الثورة نت
نشر بتاريخ: ٨ كانون الأول ٢٠٢٥
أكدت دراسة اقتصادية جديدة أعدها الباحث الاقتصادي المهندس فهد حسن دهمش وكيل مصلحة الضرائب والجمارك المساعد للقطاع المالي والإداري، تلقّت 'الثورة' نسخة منها،أن تهامة ليست مجرد سهلٍ ساحلي ممتد على طول الساحل الغربي لليمن، بل هي القلب الزراعي الأكبر في البلاد، ورصيد وطني لم يُستثمر بعد كما يجب ، فبين شمال حَجّة واللُّحية وصولًا إلى باب المندب جنوبًا، تمتد تهامة لأكثر من 450 كيلومترًا، وتضم مساحة زراعية تقدر بنحو 1.2 مليون هكتار، نصفها صالح للزراعة المباشرة، ما يجعلها أوسع رقعة زراعية متصلة في اليمن .
الثورة / أحمد المالكي
وحسب الدراسة تتغذى تهامة من عشرات الأودية القادمة من المرتفعات، أبرزها: مور، سِهام، رُمّاع، زَبيد، وسَرِدَد، والتي تضخ سنويًا ما بين 1.1 و1.5 مليار متر مكعب من المياه. هذه الرسوبيات والطمي تجعل من التربة التهامية واحدة من الأغنى في المنطقة، وقادرة على تحقيق إنتاجية عالية بمدخلات أقل مقارنة ببقية المناطق الزراعية، حيث تكشف بيانات وزارة الزراعة والفاو وفق الدراسة، أن تهامة ما تزال المحرك الأهم للإنتاج الغذائي في اليمن؛ إذ تنتج ما بين 50 و60 % من الحبوب (القمح، الذرة، الدخن)، وأكثر من 70 % من السمسم، ونسبة كبيرة من الخضروات والفواكه الاستوائية وشبه الاستوائية. كما كانت خلال العقود الماضية مركز إنتاج القطن، الذي تراجع منذ 2011 لكنه ما يزال يمتلك قابلية قوية للعودة ضمن برامج الإنعاش الزراعي.
مركز إنتاج
وتشير الدراسة إلى أن أهمية تهامة لا تقتصر على زراعتها البرية، إذ يمتد ساحلها الغني بالثروة السمكية على مساحة تزيد عن 400 كيلومتر، ما يجعلها مؤهلة لتكون مركزًا لإنتاج وتصنيع وتصدير الأسماك، ضمن أكبر المخزونات البحرية في اليمن ، مضيفة أنه ورغم هذه المقومات، فقد بقي جزء كبير من تهامة خارج الاستغلال الأمثل لعقود طويلة، ليس بسبب ضعف الأرض، بل بسبب غياب السياسات التي تربط بين الأرض والمياه والإنسان والسوق.
وطبقا للدراسة فإن التقديرات الرسمية تشير إلى أن الاستثمار في نصف طاقة تهامة الزراعية فقط يمكن أن يرفع إنتاج الحبوب بنسبة 120 %، والخضروات بنسبة 150 %، ويسهم في تقليص فاتورة واردات الغذاء (التي تجاوزت 2.8 مليار دولار عام 2022) بنسبة تصل إلى 40 % خلال خمس سنوات.
مبيّنةً أنه إذا جرى بناء سلاسل قيمة حقيقية في تهامة تشمل التخزين والتجفيف والتبريد والتعبئة والمعالجة والتسويق، فإنها قادرة على خلق أكثر من 350 ألف فرصة عمل، وتحويل المنطقة إلى أكبر مركز للتكامل الزراعي–الغذائي–الصناعي في اليمن.
مشكلة الزراعة
وأكدت الدراسة أن مشكلة الزراعة في اليمن لم تكن يومًا في التربة أو المناخ وهما من أخصب ما تمتلكه البلاد، بل في غياب العقل القادر على تحويل هذا القلب الزراعي الخصب والإمكانيات إلى منظومة اقتصادية متكاملة، والبنية التي تربط بين ما يُزرع وما يُصنّع وما يُخزّن وما يُسوّق وما يُصدّر، وهو ما يجعل مفهوم “العنقود الإنتاجي” خطوة انتقالية من الزراعة الفردية المتناثرة إلى شبكة مترابطة تقوم على التخصص المكاني والتكامل الوظيفي وتقاسم البنية التحتية والخدمات والتمويل والمعرفة، بحيث تُعامل المزرعة كحلقة في سلسلة قيمة تمتد من الأرض إلى السوق الداخلي أو الخارجي ، حيث تُظهر بيانات وزارة الزراعة والفاو (2023–2024) حسب الدراسة ، أن تهامة تنتج ما بين 50 و60 % من الحبوب في اليمن، وأكثر من 70 % من السمسم، وتمتلك أعلى إنتاجية للخضروات والفواكه، إضافة إلى ساحل قادر على رفع إنتاج الأسماك بنسبة 35–40 % إذا توفرت مصانع التجميد والمعالجة؛ ما يجعلها مؤهلة لتقسيمها إلى عناقيد متخصصة ، وإيجاد عنقود للحبوب والبقوليات في الشمال ، يمكن أن يرفع الإنتاج بنسبة 120 %، وعنقود للخضروات والفواكه في الوسط يمنح قيمة مضافة تتجاوز 200 % عبر التعليب والتجفيف والعصائر، وعنقود مطري في الجنوب يعتمد على حصاد مياه الأمطار والزراعة الذكية، وعنقود ساحلي يمتد من ميدي حتى الخوخة قادر على خلق 40 ألف فرصة عمل مباشرة في التصنيع السمكي والملح والأعلاف البحرية، وعنقود للأعلاف والثروة الحيوانية في الأطراف الشرقية يربط بين النبات والحيوان والصناعات الغذائية ، وأنه في هذه المنظومة الجديدة -وفق الدراسة- سيتحول الفلاح إلى منتج اقتصادي، والجمعية التعاونية إلى ذراع تنظيمية، والمستثمر إلى شريك في سلسلة القيمة، بينما تقوم الدولة بدور المخطّط والميسّر ومُنشئ البنية التحتية، لتتحول تهامة من سهل زراعي صامت إلى منظومة إنتاجية قادرة على خلق الوظائف وتقليص الاستيراد وزيادة الدخل وإعادة موقع اليمن في خارطة الأمن الغذائي الإقليمي، ليس بوصفه متلقيًا للغذاء، بل منتجًا ومصدّرًا له.
المورد الأهم
واعتبرت الدراسة أن المياه تمثل العصب والمورد الأهم والأبرز في النهضة الزراعية، وفي تهامة شبكة الأودية الخمسة الكبرى مور، وسَرِدَد، وسِهام، وزَبيد، ورِمَع حيث يتدفّق إلى السهل نحو 1.1 إلى 1.4 مليار متر مكعب سنويًا من المياه السطحية (تقديرات الفاو 2023)، بينما تحتفظ الخزانات الجوفية في تهامة بمخزون يقدَّر بنحو 6–8 مليارات متر مكعب، لكنه وفق الدراسة يتعرض منذ عقدين لضغوط غير مسبوقة بفعل السحب العشوائي والتوسع الزراعي غير المنظم.
وتشير تقارير هيئة الموارد المائية (2022–2024) إلى أن منسوب المياه الجوفية في بعض مناطق حجة والحديدة ينخفض بمعدل 30–60 سنتيمترًا سنويًا، حسب ما أوردته الدراسة، فيما ارتفعت ملوحة مياه الآبار الساحلية في أجزاء من اللُّحية والجروبة والزهرة بنسبة تتراوح بين 10 و25 % خلال السنوات الخمس الماضية نتيجة الزحف البحري وتراجع التغذية الطبيعية، وأن هذه الأرقام ليست نُذُر نهاية، بل جرس إنذار علمي يؤكد الحاجة للانتقال من الاستنزاف إلى الإدارة الذكية.
الري بالتنقيط
ونوهت الدراسة إلى أن الريّ التقليدي بالغمرالمستخدم في أكثر من 70 % من مزارع تهامة يهدر ما بين 35 و45 % من المياه، بينما أثبتت تجارب محلية أن التحوّل إلى الريّ بالتنقيط يمكن أن يخفض الفاقد بنسبة 50–60 %، ويرفع الإنتاج في بعض المحاصيل (كالسمسم والطماطم والذرة) بنحو 20–35 %. أما اعتماد مضخات الطاقة الشمسية وفق الدراسة فقد خفّض تكاليف تشغيل الآبار بنسبة 40–55 % مقارنة بالديزل، وسمح باستمرارية الري في أكثر المواسم حرارة دون زيادة الضغط على المياه الجوفية. كما أظهرت مشروعات الحصاد المائي الصغيرة برك ترابية وسدود تحويلية قدرتها على توفير ما بين 20 و40 مليون متر مكعب سنويًا في نطاق تهامة وحدها، وهي كمية كافية لريّ عشرات الآلاف من الهكتارات إذا أُديرت بكفاءة.
حوكمة مائية
وأوضحت الدراسة أنه حين يُدار الماء بهذه الرؤية الحديثة حوكمة مائية، تقنيات ريّ ذكية، حصاد أمطار، إعادة استخدام، ونظم مراقبة رقمية يتحوّل من مورد مهدّد إلى رافعة استدامة، ومن عنصر محدود إلى ميزة تنافسية، وعندها لا تستعيد تهامة دورها فحسب، بل تقدّم نموذجًا يمنيًا وعربيًا في التكيّف مع شحّ المياه وتوجيهه لصالح الاقتصاد. وهكذا، تصبح النهضة الزراعية في تهامة ليست رهينة المطر، بل ثمرة وعي جديد يرى في كل قطرة ثروة وطنية، وفي كل بئر قرارًا سياديًا، وفي كل مشروع حصاد مائي خطوة نحو الاكتفاء والكرامة والاستقرار الغذائي.
رائد إنتاج
وخلصت الدراسة إلى أن المزارع التهامي بما يحمله من خبرة فطرية وثقافة زراعية متوارثة، تشكلت عبر مئات السنين في التعامل مع التربة والماء والمواسم، إذا مُكّن ودُرّب وربط بمنظومات حديثة فسيتحول من فلاح فردي إلى رائد إنتاج وعضو فعّال في سلاسل القيمة الزراعية، حيث تشير دراسات التنمية الريفية في 2023م إلى أن تمكين المزارعين عبر التدريب والإرشاد الزراعي والتقنيات الحديثة قادر على رفع إنتاجية المحاصيل بنسبة 25–40 % وخفض خسائر ما بعد الحصاد بنحو 30 %، أي ما يعادل ملايين الدولارات سنويًا.
كما خلصت الدراسة إلى أن النهضة لا تكتمل عند حدود الحقل؛ فالزراعة يمكن أن تصبح قوة اقتصادية حقيقية عندما تتجاوز القرية وتدخل السوق ، حيث لا يكفي في تهامة إنتاج الذرة والدخن والمانجو والبامية؛ بل يجب تحويلها إلى علامات تجارية ذات هوية، فالمحصول الذي يحمل اسم “تهامة”، أو “الحديدة”، أو “زبيد”، لا ينقل سلعة فقط، بل ينقل ذاكرة المكان وقيمته ، وأن التجارب أثبتت في دول أخرى مثل الهند والمغرب وتركيا أن العلامات الزراعية الجغرافية ترفع القيمة السوقية للمنتج بنسبة 15–70 % ، وهكذا تصبح التجارب امتدادًا للسيادة، ويصبح التسويق رافعة اقتصادية تحوّل المحاصيل من طعام إلى قصة وطن ،
كما أن الاستثمار في التصنيع الغذائي قادر وحده على رفع القيمة المضافة للقطاع الزراعي الوطني من 14 % حاليًا إلى 22 % (تقديرات 2024)، وحين يتحول المزارع إلى عضو في عنقود إنتاجي، والسوق إلى منصة لعرض الهوية الزراعية، والاستثمار إلى مشروع سيادي وطني، تصبح تهامة نموذجًا واقعيًا لما يمكن أن تكون عليه اليمن حين تعود إلى جذورها بعقل حديث ورؤية استراتيجية، وفق ما خلصت إليه الدراسة.













































