اخبار اليمن
موقع كل يوم -سبأ نت
نشر بتاريخ: ٥ تموز ٢٠٢٥
صنعاء- سبأ : تقرير: جميل القشم
تعدّ ذكرى عاشوراء محطة مفصلية في الوعي الإنساني والنهج الثوري للأمة، ومناسبة سنوية تحييها جماهير الشعب اليمني بوجدانٍ متقد وإدراك عميق لما تختزنه من دلالاتٍ وقيمٍ لا تنفصل عن معركة الأمة وخصوصا في ظل ما تتعرض له غزة من عدوان صهيوني وحشي.
في كل عام، يحيي الشعب اليمني ذكرى عاشوراء بروحٍ واعية تجعل من المناسبة موقفا ثوريا متجددا، يُستحضر فيه الإمام الحسين عليه السلام كرمزٍ للحق، وتستعاد كربلاء كبوصلة للموقف في زمن التزييف والانحراف، فتتجسد القيم التي حملها في وعي الناس، والالتزام العملي بمواجهة الطغيان، كامتدادٍ لمظلومية الحسين في واقع الأمة اليوم، حيث يتحول الارتباط بعاشوراء إلى قوة تعبئة وصمود وصياغة لموقف لا ينكسر.
كربلاء، في وجدان اليمنيين، ليست حادثة مضت، بل قضية حية تتكرر بصور متعددة، ويبدو أكثرها جلاء في ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة من حصار وتجويع وإبادة جماعية تحت سمع وبصر أمة صمتت أو ساومت، تاركة دماء الأطفال والنساء تسيل دون موقف جامع ولا نخوة تعيد الميزان إلى موضعه.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، أرسى منذ وقت مبكر في دروسه مبدأً جوهريا حول عاشوراء، حين أكد أن إحياء المناسبة لا يكتمل إلا بالتحرك في مواجهة الطغاة، وأن الحسين لم يقتل ليُبكى عليه، بل ليستنهض الأحرار في كل عصر، ويصوغ وعيهم على مبدأ 'هيهات منا الذلة'.
وفي خطاباته، يجدد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الروحية الحسينية في أبهى صورها، مؤكدا أن عاشوراء تمثل مشعلا هاديا وميزانا ثابتا للمواقف، وأن الارتباط بها يتجلى في نصرة القضايا العادلة وفي مقدمتها فلسطين، حيث يجسد موقف اليمنيين تجاه غزة اليوم امتدادا عمليا لبيعة الحسين، وانحيازا صادقا لمعسكر الحق، وترسيخا لنهج الكربلائيين الذين قدموا أرواحهم دفاعا عن القيم والمبادئ، فكانت كربلاء عنوانا للثبات، وغزة ميدانا يتجدد فيه معنى الوفاء.
إن المقارنة بين كربلاء وغزة لا تنطلق من نزعة وجدانية فحسب، بل من تطابق في جوهر المظلومية، فكلاهما يمثل وجها من وجوه العدوان على الحق، واغتيالا لمشروع الأمة في حريتها وعزتها، كما أن التغاضي الأممي والعربي عن جرائم الاحتلال الصهيوني يعيد للأذهان صمت الأمة إزاء ما تعرض له الحسين من مظلومية.
وتنعكس هذه الروحية في المشهد التعبوي لإحياء فعاليات هذه الفاجعة الأليمة، حيث يتوحد الخطاب الشعبي والرسمي في ترسيخ وعي الأمة بمكانة عاشوراء كمنطلق للموقف، واستحضار خط الحسين كطريق واضح للتصدي للظلم والانحراف، فيتجدد الارتباط بالثورة الحسينية كموقف جامع يصاغ في وجدان الجماهير ويُترجم إلى التزام عملي يعزز حضور القيم ويرفع منسوب الوعي والصمود في معركة الأمة مع أعدائها.
وحده الشعب اليمني، في واقعه ومعركته وحضوره الأخلاقي، يجسد اليوم النموذج الحي للحسينيين، إذ لم يكتفِ بالبكاء والتأسي، بل انخرط في موقف عملي يناصر المظلومين، ويدين المعتدين، ويُسهم فعليا في معركة الأمة بجهده وماله ودمه وصوته، كترجمة صادقة للولاء والثبات، وموقف ينبع من إدراك راسخ بأن كربلاء مسار مستمر يتجلى في كل ساحة يُرفع فيها صوت الحق وتُقاوَم فيها مشاريع الهيمنة والظلم.
ليس غريبا أن يتفاعل اليمنيون مع عاشوراء بهذا القدر من العمق؛ فالمظلومية التي عاشوها في ظل العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، جعلت من وجدانهم أكثر التصاقا بمأساة الحسين، وأكثر وعيا بما تقتضيه المواجهة من وعي واستبسال.
كربلاء كانت صرخة ضد التزييف والانحراف الديني والسياسي؛ واليمنيون يدركون اليوم أن الانتصار لفلسطين ليس شعارا عاطفيا، بل تجديد لقيم الثورة، وتحرّر من قيود الهيمنة والاستكبار.
وفي الوقت الذي يحيي فيه الشعب اليمني هذه الذكرى، يعيش العالم العربي حالة من الشلل السياسي والأخلاقي، تُفرط فيها الأنظمة بكرامة الأمة وتتنكر لدماء الفلسطينيين، في مشهدٍ يعيد إلى الذاكرة من تخاذلوا عن نصرة الإمام الحسين عليه السلام.
الحسين قال كلمته ومضى، واليمنيون يرددونها اليوم بصوتٍ عالٍ: 'مثلي لا يُبايع مثلك'، في موقف عملي يعبر عن رفض التبعية والهيمنة، ويفضح كل أشكال التطبيع والخنوع والتماهي مع المشروع الصهيوني الأمريكي.
وتبرز الفعاليات في اليمن ارتباط عاشوراء بفلسطين كقضية محورية، إذ تؤكد الشعارات واللافتات والهتافات أن كربلاء تتجدد في غزة، وأن الحسين حاضر في وجدان المجاهدين، وأن فلسطين لن تكون وحدها طالما في الأمة يمن ينطق ويقاتل ويقف.
يُمثّل إحياء عاشوراء في اليمن لحظة وعي جمعي تعاد فيها صياغة العلاقة بين الماضي والحاضر، حيث تستحضر الثورة الحسينية كمنهج لبناء المواقف، وتستعاد كربلاء كمرآة تكشف موقع الأمة من معاركها الكبرى، فتتحول المناسبة إلى ساحة تربية وتعبئة تتكوّن فيها قناعات راسخة بأن المعركة مع الباطل لا تُقاس بالزمان والمكان، بل بالانحياز الصادق للحق مهما كان الثمن.
وحين تتقدم الحشود في الساحات رافعة رايات الحسين وفلسطين، تعلن أن اليمن لم يبدل تبديلا، وأنه لا يزال على عهد الثورة، يرفض الذل، ويُجدد الوفاء لمشروع التحرر الذي بدأه الحسين وسارت عليه قوافل المجاهدين في فلسطين واليمن ولبنان وكل الساحات الحرة.
إن عاشوراء تجسيد حي لميزان المواقف، تكشف مع كل عام من يحمل راية الحق بثبات، ومن يصطف في موقع المظلومين بصدق، وتبرز بوضوح معادن الشعوب ومواقعها من قضايا الأمة الكبرى، ويأتي إحياء اليمنيين لهذه المناسبة كتجسيد واع لموقف ثابت يبعث برسائل متعددة للأمة بأن النهوض يبدأ من وضوح الاتجاه، وللغزاة بأن الشعوب الحرة لا تنكسر، وللعالم بأن النور الحقيقي ينبعث من ساحات الصمود والموقف، لا من موائد التطبيع والانحناء.
الموقف اليمني من عاشوراء وفلسطين لا يفصل بين المعاني، بل يربطها في مسار واحد يتجلى فيه الوعي والثبات، حيث تتحول المناسبة إلى تعبير صريح عن انحياز الشعب للحق في كل زمان، فالهتاف للحسين هو ذاته الهتاف لفلسطين، والولاء لخط كربلاء يتجسد في الوقوف بصلابة إلى جانب المقاومة، وفي صياغة موقف يُدرك أبعاد المعركة ويعرف موقعه فيها دون التباس.
ومن هذا الموقف، يتقدم اليمن بثبات عظيم في طليعة الأمة، حاملاً نهج الحسين في وعيه وسلوكه، ومجددا مع كربلاء عهد الثورة التي لا تنطفئ، ورافعا قضية فلسطين في قلب معركته، حيث تُورَّث القيم وتبنى المواقف وتستحضر تضحيات الحسين كمنارة تهدي الطريق، وترسّخ المبادئ التي تصوغ ملامح النصر وتفتح للأمة أبواب التمكين.
إكــس