اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ٣١ أيار ٢٠٢٥
مروان ياسين الدليمي*
أنا
ظلٌّ لا يلتئم
جسدٌ لا يعرف إن كان قد شُفي أم لا
جملة ناقصة في دفتر الليل
عظمٌ صغير يتكسّر كلما حاول أن يقف.
***
آدم
النقطة الأخيرة في السطر
التي لم تُمسح مع بقية الأسماء.
تجويفٌ في صدر أمي
حفرة لم تُردم بعد
بذرة بقيت بعد أن أُحرقت الحقول.
الوقت
يتدحرج في غرفتي مثل حجرٍ أملس
أسمع صريره في رأسي
أحسبه شهيقا لكنه ليس كذلك
أحسبه خطوة لكنه لا يصل.
المسمار العالق في الجدار
بلا صورة بلا إطار
بلا أحد يلتفت لي سوى ضوءٍ خافت
يتسلل من شقوق السقف.
أمي
أراها تمرّ في الليل
تُعدّ الأسماء على أصابعها
تُربّت على الغياب كأنها تربّت على خدّي
كأنها تقول لي:
«هذا ليس موتا هذا عبورٌ إلى مكان آخر.»
لكنني لا أفهم
أنا لا أفهم شيئا.
الهواء ثقيل
أكاد أراه يهبط على صدري
مثل قميصٍ مبلّل
مثل يدٍ لا أستطيع دفعها.
بقايا صرخة لم تكتمل
فتات وقتٍ مكسور
الشظية التي أفلتت من يد الانطفاء
الشاهد الذي لا يريد أن يشهد.
كيف تحتملين هذا الثقل؟
كيف تُمسكين النار بيدكِ ولا تحترقين؟
كيف تُرضعينني من الحزن وتبتسمين؟
أنا لا أفهم
أنا فقط أتنفّس…
أتنفّس ببطء
أتنفّس كأنني أحمل كلّ شيءٍ نيابةً عنكِ
كأنني الحجرة التي وُضعت فوق قبرٍ مفتوح
الحجرة التي لا تعرف إن كانت تمنع الريح
أم تمنع الضوء…
أفتح عينيّ كل يومٍ على فراغٍ أكبر
وأُغمضهما على سؤالٍ لا جواب له:
كيف… كيف كنتِ تقفين
بين نزيفكِ
وأصواتهم
ورائحة الدخان
وما زلتِ تجدين يدكِ لتربّتين على كتفي؟
أنا…
لا أفهم.
الصوت الذي لا يُسمع
الصرخة المحبوسة في صدري
العين التي ترى كل شيء ولا تُغلق
ولا تُرمش
ولا تنسى.
أيّ لعنة هذه التي تسقط على أمٍ
تعدّ أبناءها في صمت
تربط أسماءهم بخيطٍ من الدم
ثم تجد يدها فارغة؟
أيّ عالم هذا الذي يسمح لطفلٍ أن يُقطع
ثم يُعاد خياطته بالإبر والأنين
ويُقال له: عش.
أي حياةٍ هذه التي يُطلب فيها من قلبٍ مكسور
أن يخفق من جديد؟
أي حياةٍ هذه التي تُربت على جراحها
وكأنها محض صدفة
كأنها لم تكن…
الرقم الذي أفلت من حسابات الإحصاء
فتات اللعنة
بذرة الشكّ التي زرعها العدم في رحم الأمل
أنا السهم الذي انكسر قبل أن يُطلق
لكن أحداً لم ينتبه…
أحداً لم يسأل:
هل كان ينبغي أن يُولد؟
* * *
لماذا لا تُعيد السماء ترتيب مصائرنا؟
لماذا لا تنزل يدٌ خفية
توقف المجزرة
تغلق المدافع
تمحو الدم عن الجدران
تُعيد لنا أسماءنا كاملةً دون حفرٍ أو شقوق؟
لماذا لا ينزل الضوء على الأرض
إلا ليمسح ظلالنا
كأننا لم نكن؟
المتبقي من حفلة الموت
العظم الذي لم يُكسر حتى النهاية
الغصن الذي ظلّ عالقاً بين النار والعاصفة
أتساءل:
هل كنتُ مجرد خطأ في الحساب؟
مجرد زفرة نسيها القدر في صدر أمي
حين أخذ كل شيء
وأبقى عليّ…
أي يدٍ هذه التي تركتني حياً؟
أي يدٍ هذه التي قالت: يكفي؟
أي يدٍ هذه التي مسحت وجهي ولم تمسح وجوه إخوتي؟
الغضب الذي لا يجد مخرجاً
السؤال الذي لا يجد جواباً
الألم الذي لا يُسمّى
الفراغ الذي يتّسع كل يوم
الفراغ الذي يبتلعني
وأبتلعه
وأبتلعه…
أحمل رؤوسهم على كتفي
أحمل قلوبهم في ضلوعي
وأعرف أنني لن أقدر…
لكنني
رغم ذلك
أتنفّس.
*شاعر عراقي