اخبار اليمن
موقع كل يوم -المشهد اليمني
نشر بتاريخ: ٢٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
ي مشهد لم تشهد له المدينة التاريخية مثيلاً، تحول محيط مبنى محافظة تعز، اليوم الجمعة، إلى ساحة صراع رمزي، حيث تجسد الانقسام السياسي والاجتماعي المتأجج في صورة ثلاث صلوات جمعة متزامنة، تحمل كل منها رسالة مختلفة وتلخص جانباً من معاناة المدينة المتراكمة.
وكان المشهد غير المسبوق بمثابة مرآة عاكسة لحالة التشظي التي تعيشها تعز، حيث لم تعد الكلمة واحدة ولا المطالب موحدة، حتى في أقدس الشعائر الدينية، لتؤكد أن المدينة، التي طالما كانت عنواناً للوحدة، أصبحت تعاني من فقدان المرجعية الموحدة.
تفاصيل المشهد الثلاثي
وفقاً لشهود عيان من المكان، بدأت الوقائع تتشكل مع أذان الظهر، حيث انقسم المصلون والمحتجون إلى ثلاث تجمعات رئيسية في مساحة جغرافية لا تتجاوز بضع مئات من الأمتار المربعة:
الخُطبة التقليدية: داخل 'مسجد النفوت' المجاور للمحافظة، أقيمت صلاة الجمعة كالمعتاد، بأداء رسمي من أبناء الحي والموظفين، ممثلةً الصلة الروحية الطبيعية والجانب الرسمي للمؤسسات الدينية. وكانت هذه الخُطبة هي النقطة المرجعية التي انطلقت منها مشاهد الاختلاف.
خُطبة الغضب والدم: على بعد أمتار قليلة، وعند خيمة اعتصام افتِهان المشهري، الشاب الذي لقى مصرعه في ظروف غامضة، تحولت صلاة الجمعة إلى منبر احتجاجي. لم يكن الخطيب رجل دين بالمعنى التقليدي، بل كان صوت الغضب الشعبي، حيث تداخلت كلمات الخطبة مع هتافات تطالب بالقبض على المتورطين في قتله وبكشف الحقيقة كاملة. حملت هذه الخُطبة رسالة العدالة الغائبة ورفض التسويف في قضايا الدم.
خُطبة الألم والتضامن: أمام بوابة مبنى المحافظة ذاتها، وعلى مقربة من خيمة الجرحى الذين يواصلون اعتصامهم للمطالبة بحقوقهم المالية والصحية، أقيمت الجمعة الثالثة. هنا، كانت الكلمة مخصصة للألم المزمن، حيث تلا القراء دعوات للشفاء، وتحدث الخطيب عن معاناة المصابين الذين ضحوا بأجسادهم في سبيل المدينة ليُنسوا بعدها في زوايا النسيان. كانت رسالة هذه الجمعة هي التضامن مع المهمشين والتذكير بالديون المستحقة لأبطال الحرب.
تحليل ناشطين: مؤشر خطير على تآكل النسيج الاجتماعي
لم يكن هذا التعدد في الشعائر مجرد صدفة، بل هو، كما يرى ناشطون ومراقبون سياسيون، تعبير صادق عن 'التشظي' الذي وصل إليه المجتمع التعزي.
يقول أحد الناشطين الميدانيين لمراسلنا: 'ما شهدناه اليوم هو جمعة الانقسام. لم يعد هناك خطاب جامع، كل فصيل أو مجموعة تبحث عن منبرها الخاص لتعبر عن ألمها. مسجد للصلاة التقليدية، وخيمة لدم الشهداء، وبوابة لجرحى الحرب. هذا يعني أن الدولة بكل مؤسساتها فقدت القدرة على احتواء الجميع وتلبية مطالبهم، فانبرى الناس لخلق فضاءاتهم الخاصة.'
ويضيف محللون أن هذا المشهد يعكس تراجع الثقة بين مكونات المجتمع والسلطات المحلية، وتنامي حالة الاحتقان التي قد تتحول في أي لحظة إلى اشتباكات إذا لم تتم معالجة الأسباب الجذرية للمطالب المتفاوتة. فكل طرف يشعر أن قضيته هي الأهم، وأن صوته لا يصل إلا من خلال تخصيص مساحة احتجاجية خاصة به.
خاتمة: مرآة تعز في مفترق الطرق
يبقى مشهد الجمعات الثلاث في تعز وثيقة تاريخية مرئية، تُظهر كيف يمكن لمدينة واحدة أن تحتوي في قلبها على عوالم متصارعة من الأمل والألم، والغضب والصبر. إنها ليست مجرد ثلاث صلوات، بل هي ثلاث قصص لمدينة تبحث عن هويتها المفقودة وسط ركام الحرب والانقسام، فيما يبدو أن كل خطوة نحو المصالحة تواجهها تحديات داخلية تعمق من جراحها وتزيد من تعقيد مشوارها نحو المستقبل.













































