محمد المساح... واقع اليمن "المأزوم" يخسر ناقده الساخر 

نعته الحكومة ومؤسسات الصحافة والأدب في البلاد والعليمي: تميز بالجرأة والصراحة والانحياز إلى البسطاء

غادر الأديب والكاتب اليمني الكبير محمد المساح من دون أن يمهله الزمن لحظات أخرى ظل يتوسلها كل صباح على رأس عموده اليومي الأشهر 'لحظة يا زمن'، الذي ظل ثابتاً في الصفحة الأخيرة لصحيفة 'الثورة' الرسمية منذ عقود، على رغم متغيرات الواقع وتحولاته الكبرى.

توفي المساح الليلة الماضية عن عمر يناهز الـ 81 سنة بعد حياة حافلة بالعطاء الأدبي والصحافي والإبداعي، دشن معه أحد أشهر وأطول الأعمدة الصحافية اليومية منذ السبعينيات، فضلاً عن رصيد بارز من الشعر والسرد القصصي.

وبرز المساح عقب ثورة الـ26 من سبتمبر (أيلول) 1962 ككاتب وصحافي مدافع عن قيم الثورة التي قضت على حكم الأئمة الزيدية وأفكارها الراديكالية بنهج تحرري من خلال كتاباته النوعية والجريئة ونقده اللاذع وأشعاره.

الانقلاب... أو توقف الحياة

هذا الحضور دفعه إلى تولي رئاسة تحرير صحيفة 'الثورة' الرسمية عام 1972 التي كان يطل على قرائه من خلالها عبر عموده 'لحظة يا زمن' الذي توقف في 2016 بعد انقلاب ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران وسيطرتها على العاصمة ومقر الصحيفة وتحويلها إلى مطبوعة طائفية تعكس نهجها كأية جماعة دينية مسلحة ترفع شعارات نصرة الدين وتسعى إلى فرض رؤاها بالقوة برداء الإسلام ونوازع 'الاصطفاء والحق الإلهي'.

هذا التحول في صحيفة 'الشعب' اليومية التي ولدت ترجمة للعهد الجمهوري الوليد عقب ثورة سبتمبر (أيلول) على يد كوكبة من رواد الفكر والصحافة والأدب الذين جاء بعضهم من دول الجوار والمهجر، أجبر قراءها على مقاطعتها، فلجأت الميليشيات إلى تقليص عدد الطبع اليومي حتى بلغ بضع مئات فقط، فضلاً عن تقليص عدد الصفحات من 26 - 32 صفحة إلى 14 أو 16 صفحة بعد أن كانت تطبع نحو 500 ألف نسخة مزودة بسبعة ملاحق يومية، اقتصادية ورياضية وأمنية واجتماعية وأدبية ودينية وفنية.

الواقع يخسر ناقده الساخر 

وقبل نحو عقد من الزمن، كانت للراحل المساح مواقف ناقدة وساخرة من الحال الذي آلت إليها البلاد ودخولها في أزمات سياسية هيأت الظروف أمام سيطرة الميليشيات الحوثية. 

واعتبر في حديث له مع عدد من زملائه ومحبيه تعليقاً على نمط كتابته في عموده اليومي الذي لم يكن بالصبغة الناقدة ذاتها كما هي الحال سابقاً، أن الأمر يعود للواقع و'نوعية القارئ اليوم' الذي لم يعُد، وفقاً لوجهة نظره، بقيمة الجيل السابق، كما لم يعُد مستشعراً لمسؤولياته أمام جملة التحديات الماثلة.

وبرحيله، توالت برقيات التعازي، واعتبر رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي أن الوطن برحيل المساح 'خسر أحد أبرز رموزه الصحافية، وأعلامه الثقافية والإبداعية المناضلة الذين كانت لهم بصماتهم المتميزة، تاركاً خلفه إرثاً صحافياً ثرياً تميز بالجرأة والصراحة والانحياز إلى جانب مصالح البسطاء وتنويرهم على مدى خمسة عقود'.

ونعت وزارة الإعلام وفاة المساح، مشيرة في بيان النعي إلى 'الخسارة الكبيرة التي خلفها رحيل قامة بحجم الفقيد المساح في هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به بلادنا التي هي بحاجة إلى كل جهد تنويري وتثقيفي يدافع عن قيم المجتمع الأصلية في وجه محاولات ميليشيات الحوثي طمس الهوية الوطنية'.

خسارة للكلمة

ونعت الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين اليوم السبت الكاتب والأديب محمد المساح. وأكد بيان النعي الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية 'سبأ' فداحة الخسارة التي منيت بها الصحافة اليمنية والأدب اليمني الحديث برحيل قلم بحجم الكاتب محمد المساح الذي احترف الكتابة والصحافة منذ وقت مبكر وكان من روادهما، وأسهم في رئاسة تحرير عدد من الصحف منها صحيفة الثورة ومجلة اليمن الجديد.

ونوه البيان بخصوصية التجربة الإبداعية للراحل المساح، بخاصة في كتابة العمود الصحافي، بما فيه العمود الذي ظل يحمل عنوان 'لحظة يا زمن' الذي مثل منعطفاً مهماً في كتابة العمود في الصحافة اليمنية، إذ جسد من خلاله الراحل مدرسة صحافية ذات ملامح وأسلوب مختلف.

واستعرض البيان عدداً من المراحل التي مرت بها تجربة الراحل منذ الستينيات وحتى وفاته، منوهاً بخصوصية علاقته بكتابة قصيدة النثر والسرد القصصي اللذين يجعلان من المساح الأديب تجربة جديرة بقراءات عميقة تبدأ بتجميع كتاباته ونشرها ودراستها واستنباط سمات خصوصيتها.

ولفت إلى تجربة المساح الإنسان في علاقته بزملائه وأصدقائه والمجتمع والوطن التي شكلت جميعها حالاً خاصة ارتبطت بوعي المساح الإنسان والمبدع.