اخبار اليمن
موقع كل يوم -سما نيوز
نشر بتاريخ: ٤ حزيران ٢٠٢٥
رغم الضجيج الإعلامي والجهود المعلنة التي رافقت تشكيل فريق الحوار الجنوبي الداخلي، إلا أن هذا المشروع لم يحقق حتى اليوم سوى الفشل الذريع، فالمشهد الجنوبي، بعد مرور سنوات على إطلاق هذه المبادرة، لا يزال يعيش حالة تفكك واحتقان وغياب للتوافق الحقيقي بين مكوناته، ما يضع علامات استفهام كبرى حول جدوى هذا الفريق وأهدافه الفعلية .
لقد رُوّج للحوار الجنوبي كمنصة لتقريب وجهات النظر وجمع الفرقاء الجنوبيين على طاولة واحدة، تمهيداً لبناء مشروع وطني جنوبي جامع، غير أن الوقائع على الأرض تقول عكس ذلك تماماً :
لا وحدة في الرؤية، ولا شراكة حقيقية، ولا احترام للتنوع السياسي والمناطقي في الجنوب، بل على العكس، ازداد الانقسام عمقاً، وتكرّست سياسة الإقصاء، واستُخدمت لغة التخوين في مواجهة كل من يعارض أو ينتقد .
السبب الجوهري لهذا الفشل لا يقتصر على طريقة التشكيل أو المخرجات الهشة، بل يمتد إلى البيئة السياسية المختلة التي نشأ فيها الفريق، وخصوصاً ارتهانه الكامل لمزاج القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي، لقد فقد الفريق استقلاليته منذ اليوم الأول، وتحول إلى كيان تنفيذي تابع يعبر عن موقف القيادة أكثر مما يعبر عن واقع سياسي متعدّد ومعقّد في الجنوب، كان من المفترض أن يعمل كهيئة مستقلة تمتلك هامشاً من القرار الذاتي، وتقود مشروعاً شجاعاً للحوار مع الآخر الجنوبي، لا أن يتحول إلى مجرد أداة تنفيذية تبرّر مواقف القيادة أو تروّج لسياسات الإقصاء تحت عباءة التوافق .
لقد ظلّ الفريق يدور في حلقة مفرغة، ويصدر بيانات متأخرة عن الأحداث، لا تملك تأثيراً فعلياً على مجريات الواقع، بل تكاد تُستخدم لتبرير الفشل أكثر من مواجهته، إن هذه التبعية العمياء لمركز القرار أفرغت الحوار من مضمونه، وقتلت أي أمل في أن يتحول إلى مساحة حرة لطرح الأسئلة الصعبة، أو بناء شراكات جديدة، أو حتى تفكيك عقدة الاحتكار السياسي التي تُمسك برقاب الجميع .
لم يمتلك الفريق منذ بدايته رؤية استراتيجية واضحة توازن بين ضرورات المرحلة الانتقالية واستحقاقات المستقبل، فبقي أسير اللحظة والردود الانفعالية، كما تم تجاهل طبيعة الجنوب المتعددة سياسياً ومناطقياً وثقافياً، وتُرك الباب موارباً لخطاب الإقصاء بدلاً من تعزيز التفاهم على قاعدة 'الاختلاف في إطار وحدة الهدف'، وتم اختزال الجنوب في أدوات سلطة، لا في إرادة شعب، وغابت الكفاءات المهنية القادرة على إدارة حوار وطني جاد، وحلّت محلها وجوه محسوبة على التوازنات الداخلية، فكان الأداء باهتاً والمخرجات سطحية، ولم يُؤخذ بعين الاعتبار أن الجنوب يعيش ضمن توازنات إقليمية ودولية معقدة، وأن أي مشروع سياسي لا يقرأ تلك التوازنات بوعي سيظل مشروعًا معلقًا في الفراغ، كما فشل الفريق في إنتاج خطاب جامع يستنهض وجدان الناس، وبقي أسير اللغة النخبوية، مقطوعاً عن لغة الجماهير .
إن القيادات الجنوبية، وفي مقدمتها قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، مطالبة بمراجعة حقيقية وجريئة لتجربة فريق الحوار، والتوقف عن صناعة كيانات شكلية لا تملك سلطة القرار أو حرية الطرح، فليس من المنطق أن نطالب الآخرين بالاعتراف بنا بينما نمارس الإقصاء داخل البيت الجنوبي، أو نتحدث عن الشراكة ونحن نُضيّق دوائر الفعل السياسي إلى حدود الولاء الشخصي .
المرحلة تقتضي مغادرة منطق الاحتكار والوصاية، والانتقال إلى ثقافة التوافق والتفويض الشعبي، والاعتراف بأن الجنوب لن يُبنى بالخطابات فقط، بل بإعادة توزيع السلطة، وتقدير التنوع، والإنصات لصوت الشارع، الذي بات أكثر وعيًا من كثير من نُخبه، استمرار الحال على ما هو عليه لن ينتج سوى مزيد من التآكل السياسي والتراجع الجماهيري، وسيكون الثمن هذه المرة أكبر من مجرد فشل فريق، بل فشل مشروع بأكمله .