اخبار اليمن
موقع كل يوم -المشهد العربي
نشر بتاريخ: ١١ حزيران ٢٠٢٥
رأي المشهد العربي
يشكل المجلس الانتقالي الجنوبي حجر الزاوية في المشروع الوطني الجنوبي لاستعادة الدولة، لكن قوته الحقيقية لا تنبع فقط من مؤسساته السياسية أو أدواته الميدانية، بل من حاضنته الشعبية الواسعة التي تمثل العامل الأكثر أهمية في مسار الجنوب نحو تقرير مصيره.
هذه الحاضنة، الممتدة من المهرة إلى باب المندب، لم تكن وليدة، بل تشكلت عبر عقود من النضال والتضحيات، وتبلورت في لحظة فارقة من وعي جمعي بأن استعادة الدولة الجنوبية باتت ضرورة لا ترفًا.
قوة المجلس الانتقالي الجنوبي تتجلى في حجم الالتفاف الشعبي حوله، حيث استطاع أن يؤسس قاعدة جماهيرية متينة تُعبّر عن إرادة الشارع الجنوبي، وتعكس طموحات شعبه في الحرية والسيادة.
الحاضنة الشعبية مثَّلت رافعة قوية للمجلس في مختلف المحطات المصيرية، بدءًا من تأسيسه في 2017، مرورًا بإدارته للأوضاع في العاصمة عدن ومحافظات الجنوب، وصولًا إلى تمثيله للقضية الجنوبية في المحافل الإقليمية والدولية.
هذه الحاضنة ليست كتلة جامدة، بل كيان ديناميكي قادر على التكيف مع المتغيرات ومواجهة التحديات، وهو ما مكّن المجلس من تجاوز محطات معقدة، شملت حملات إعلامية شرسة، ومحاولات اختراق، وأزمات اقتصادية ومعيشية تم تسليحها سياسيًّا لزعزعة الاستقرار.
ما يميز المجلس الانتقالي هو قدرته على انتهاج سياسات متزنة تحاكي تعقيدات الواقع دون التفريط بالثوابت، فالمجلس تبنّى خطابًا سياسيًا رشيدًا يوازن بين الثبات على مشروع الاستقلال والانفتاح على مسارات الحوار والعمل المشترك مع التحالف العربي، خاصة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
هذه السياسة المتوازنة مكّنت المجلس من تثبيت حضوره كفاعل سياسي لا يمكن تجاوزه، وفي الوقت نفسه عززت ثقة المجتمع الدولي به كشريك يمكن الرهان عليه في بناء الاستقرار، كما أن قبوله الدخول في اتفاقيات مثل اتفاق الرياض، رغم العوائق، أثبت نضجًا سياسيًا يعكس مسؤولية وطنية عالية تجاه تطلعات الجنوبيين.
ورغم وضوح المشروع الجنوبي وسلميته، لا تزال قوى الاحتلال اليمنية بمختلف أطيافها تسعى إلى إفشاله من خلال وسائل متعددة، تتراوح بين الحرب العسكرية والتشويش الإعلامي، وصولاً إلى التحريض على الفتنة الداخلية وإشعال النزاعات المناطقية.
لكن الوعي الشعبي الجنوبي، المدعوم برؤية سياسية ناضجة من المجلس الانتقالي، أحبط العديد من هذه المؤامرات.
اعتمد المجلس في مواجهته لتلك التحديات على استراتيجية تقوم على كشف المؤامرات للرأي العام، وإعلاء خطاب الوحدة الجنوبية في مقابل دعاوى التفرقة، كما عمل على تعزيز البنية الأمنية وتطهير المؤسسات من العناصر المرتبطة بأجندات الاحتلال، مما ساهم في تثبيت الأمن في كثير من محافظات الجنوب، رغم شح الموارد وتكالب الأعداء.
الحاضنة الشعبية للمجلس الانتقالي ليست مجرد قاعدة داعمة، بل هي شريك حقيقي في رسم مسار الجنوب نحو المستقبل. فهذه العلاقة التشاركية بين القيادة والشعب تمثل صمام أمان ضد أي محاولات خارجية لفرض الوصاية أو إعادة تدوير الاحتلال.
ومع استمرار المجلس في بناء مؤسسات الدولة الجنوبية وتوسيع نطاق مشاركته السياسية، يتعزز الأمل في تحقيق تطلعات الجنوبيين في استعادة دولتهم على حدود ما قبل 1990.
يظل المجلس الانتقالي الجنوبي وحاضنته الشعبية النموذج الأوضح لإرادة شعب قرر أن لا يعود إلى الوراء، ويصنع طريقه بإرادته الحرة، رغم الصعاب والمؤامرات. وبينما تحاول قوى الاحتلال إعادة إنتاج الفشل، يكتب الجنوب فصله الجديد بعزيمة أبنائه وثقة شعبه بقيادته.