(موستار) البوسنية.. رحلة ساحرة بين جسر عثماني ونهر زمردي

من وسط مدينة موستار الواقعة في جنوب البوسنة والهرسك، تتدفق مياه نهر 'نيريتفا' ذات اللون الزمردي، ويجمع بين ضفتيه جسر تاريخي بني في العهد العثماني، ويحمل اسم المدينة نفسها.

وتستقطب المدينة على مدار العام، السياح بفضل جمالها الأخاذ، بينما يصحب نهر 'نيريتفا'، زواره في رحلة ساحرة تأسر القلوب من خلال صفاء مياهه وضفتيه المحفوفتين بالخضرة والأشجار.

ويُطلق على جسر موستار، المشيد فوق النهر، لقب 'عقد العثمانيين'، وقد وصفه الرحالة العثماني أوليا جلبي بـ'الفريد'.

وعلى مدار 5 قرون، لم يقتصر دور الجسر على ربط شطري المدينة فحسب، بل وحد أيضًا بين البوشناق (مسلمي البوسنة) والكروات، محافظًا بذلك على البنية متعددة الأعراق للمدينة.

بني الجسر عام 1566 على يد المعماري خير الدين، تلميذ المعماري العثماني الشهير سنان، ويُعد من أبرز الوجهات السياحية في البوسنة والهرسك، فيما تنتشر على ضفتيه مقاهٍ ومطاعم بأجواء أصيلة تجذب السياح.

** القفز من الجسر

ويشتهر الجسر أيضًا بقفز عشاق الإثارة والمغامرة إلى النهر من أعلاه، حيث يصادف زوار المدينة شبانًا يقفزون للغوض في المياه أمام أعين المتابعين.

ويرتفع الجسر نحو 21 مترًا عن سطح المياه في أعمق موقع من مجرى نهر نيريتفا، وقد بُني من حجر مقطوع بتصميم مقوس مدبب.

** رحلة ساحرة

وبإمكان زوار المدينة، الوصول إلى موستار من العاصمة سراييفو بالحافلة على مدار العام، أو عبر رحلة بالقطار تأسر الزوار بجمال طبيعة المناطق التي يمر منها.

وينطلق القطار صباحًا من سراييفو، ليعبر عشرات الأنفاق والجسور المعلقة بين الجبال، مانحًا الركاب مشاهد طبيعية تجمع بين الاستكشاف والسكينة.

وفي 2018، اختير مسار سراييفو– موستار بالسكة الحديدية بين أفضل 18 'رحلة أحلام' حول العالم.

وتستغرق الرحلة بالقطار نحو ساعتين، يمر خلالها المسافر عبر قرى جبلية ومناظر خلابة قبل أن يصل إلى موستار بمحاذاة ضفاف نهر نيريتفا.

** جسر عاد للحياة

وفي 9 مايو/ أيار 1993، تحول الجسر التاريخي إلى ضحية إحدى أكثر الهجمات قسوة في حرب البوسنة.

فقد تعرض لقصف مكثف من قبل قوات المدفعية التابعة لمجلس الدفاع الكرواتي، لينهار مع حلول ساعات الصباح، في مشهد وثّقته عدسات الكاميرات.

وأثار انهيار الجسر، الذي ظل قرونًا يربط بين حضارات وثقافات متعددة، ردود فعل غاضبة حول العالم، وأصبح من أبرز الرموز على مأساة الحرب.

وبدعم من تركيا وعدة دول ومنظمات دولية، أعيد بناء الجسر على صورته الأصلية، وأعيد افتتاحه عام 2004 في حفل مهيب.

وفي 2005، تم إدراج جسر موستار والمدينة القديمة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

وخلال حرب البوسنة التي بدأت عام 1992 وانتهت في 1995 بعد توقيع اتفاقية دايتون، ارتكبت القوات الصربية العديد من المجازر بحق مسلمين، متسببة في إبادة أكثر من 300 ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة.

كما دخلت القوات الصربية، بقيادة راتكو ملاديتش، مدينة سربرنيتسا في 11 تموز/ يوليو 1995، بعد إعلانها منطقة آمنة من قبل الأمم المتحدة، وارتكبت خلال عدة أيام، مجزرة جماعية راح ضحيتها أكثر من 8 آلاف بوسني.