اخبار اليمن
موقع كل يوم -سبتمبر نت
نشر بتاريخ: ١٨ حزيران ٢٠٢٥
سبتمبر نت/ تقرير – مختار الصبري
لم تكن الشُّقَب- تلك القرية الواقعة في البوابة الجنوبية لمحافظة تعز- سوى واحدة من قرى اليمن الريفية البسيطة، التي يعيش أهلها على الزراعة وتربية الماشية وسط منحدرات جبل صبر الشامخة. لكن هذه القرية تحوّلت، منذ اجتياح مليشيا الحوثي المدعومة من إيران لمحافظة تعز، إلى ساحة مفتوحة لحرب ممنهجة ضد الإنسان والأرض، طالت كل أشكال الحياة فيها، من البشر إلى الشجر والحجر.
في هذه البقعة، التي يفترض أن تنعم بالسلام، شهدت الشُّقَب على مدار سنوات طويلة جرائم متتالية وممنهجة نفذتها المليشيا الحوثية الإرهابية، ضد المدنيين وممتلكاتهم، ضمن سياسة انتقام وحصار وترويع متواصل. وتشير المعطيات إلى أن الانتهاكات لم تكن حوادث متفرقة، بل خطط مدروسة استهدفت الإنسان في رزقه وحقه في الحياة.
إحراق 1115 مزرعة
تؤكد احصاءات حقوقية أن عدد المزارع التي قامت مليشيا الحوثي بإحراقها في منطقة الشُّقَب وحدها، بلغ أكثر من (1115) مزرعة خلال سنوات الحرب الماضية. وهذا الرقم لا يعكس حادثة واحدة أو حملة مؤقتة، بل يشير إلى جريمة ممنهجة ممتدة عبر الزمن، تهدف لتجويع الأهالي وحرمانهم من أراضيهم ومصدر رزقهم الأساسي.
آخر تلك الجرائم، بحسب العقيد عبدالباسط البحر، نائب ركن التوجيه المعنوي في محور تعز، تم ارتكابها صباح يوم الخميس 22 مايو 2025، حيث أقدمت عناصر حوثية على إحراق مزارع قات تعود لمواطنين في عزلة الأقروض شرق الشُّقَب، مشيرًا إلى أن المليشيا بررت الجريمة بشكل عبثي بادّعائها أنها أحرقت المزارع من أجل نزع الألغام، رغم أنها هي من زرعتها سابقًا.
وأضاف العقيد البحر في تصريحه لـ»26 سبتمبر»: أن «هذه ليست الجريمة الأولى، ولن تكون الأخيرة إذا استمر هذا الصمت المحلي والدولي تجاه ما يحدث في الشُّقَب من جرائم يومية».
جرائم مركبة
وأفاد البحر أن الجرائم الحوثية في الشُّقَب لا تقتصر على إحراق المزارع، بل تشمل القنص اليومي للمدنيين، وتفجير المنازل، وزراعة الألغام، موضحًا أن «المليشيا الحوثية مارست سياسة العقاب الجماعي بحق أهالي المنطقة، بهدف تهجيرهم وإفراغ الشُّقَب من سكانها الأصليين.»
وتُظهر تقارير الرصد الميداني أن الشُّقَب تعرضت منذ بداية الحرب لأكثر من (13 ألف) انتهاك حوثي موثق، بينها (249) حالة قنص مباشر، ونتج عنها استشهاد أكثر من (180) مواطنًا، وجرح (516) آخرين، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن.
ويؤكد حقوقيون أن هذه الانتهاكات ترقى لمستوى «جرائم ضد الإنسانية»، تُرتكب بطريقة منظمة، وتعكس نزعة عدائية تجاه المدنيين العزل، في تحدٍ صارخ لكل الاتفاقيات الدولية التي تحظر استهداف المدنيين وممتلكاتهم.
أهمية استراتيجية
تتمتع منطقة الشُّقَب بأهمية استراتيجية بالغة، إذ تُعد إحدى القرى الشرقية لجبهة الأقروض التابعة لمديرية المسراخ، وتُطل على منحدرات جبل صبر من الجهة الجنوبية الشرقية، وتشرف على قرى ومواقع استراتيجية في شرق وجنوب تعز، منها قرية القزعة، وحمدة، والخراب، والعفيرة، والعدنة، وجُعيّد.
وتكمن الأهمية الكبرى للشُّقَب في كونها تربط مدينة تعز بمناطق متعددة في مديريات الحجرية، وتمتد إلى خدير وعدن عبر طريق خدير- الراهدة- كرش، ما يجعلها موقعًا حيويًا تتحكم بحركة الإمدادات العسكرية والمدنية على حد سواء.
هذا الموقع جعل من الشُّقَب هدفًا دائمًا للمليشيا الحوثية، التي تسعى بكل الوسائل إلى إضعاف المقاومة الشعبية فيها، وتفريغها من سكانها لتمكين سيطرتها على خطوط الإمداد والتحكم بجبهات القتال المحيطة.
وفي حديث خاص لـ»26 سبتمبر»، قال العقيد نبيل الأديمي – أحد ضباط اللواء 22 ميكا – ان المليشيا الحوثية الإرهابية تمارس مختلف الجرائم بحق المدنيين بشكل شبه يومي، بما في ذلك القنص، والألغام، والتخويف الدائم للسكان.
وأشار الأديمي إلى أن المليشيا الحوثية لا تزال تسيطر على منطقة الأكمة الواقعة شرق الشُّقَب، وتستخدمها كنقطة رصد وقنص تستهدف منها المدنيين والمزارعين، حتى بعد تحرير أجزاء واسعة من المنطقة.
وقال سكان محليون: إن هذه الجرائم تتكرر يوميًا، وأن الحياة في الشُّقَب باتت «لا تُطاق» في ظل انعدام أي تدخل من الجهات الإنسانية أو الرقابية الدولية، مضيفًا أن «من ينجو من رصاص القناص، قد يقع في لغم أرضي، أو يخسر مزرعته المحترقة».
منطقة منكوبة
من جانبه، شدد العقيد عبدالحكيم الشجاع، قائد الجبهة الشرقية، على ضرورة إعلان الشُّقَب «منطقة منكوبة»، نظرًا لحجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها منذ سنوات. وقال في حديثه لـ»26 سبتمبر»: «ما يحدث في الشُّقَب كارثة حقيقية، لا يوجد بيت إلا وفيه شهيد أو جريح أو نازح، ولا توجد مزرعة إلا وطالتها النيران أو الألغام، والحصار مستمر منذ سنوات».
ودعا العقيد الشجاع المنظمات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية إلى زيارة الشُّقَب ورصد ما تعانيه، مؤكدًا أن هناك انتهاكات تُرتكب يوميًا على مرأى ومسمع العالم، دون أن يتحرك أحد لوقف هذه الجرائم أو محاسبة مرتكبيها.
أحرقوا كل شيء
وفي ختام هذا التقرير، قال النقيب عبدالرحمن غلاب، أحد ضباط اللواء 22 ميكا، إن «العدوان الحوثي لم يترك شيئًا في الشُّقَب إلا وأحرقه، الأرض، المزارع، المنازل، القلوب، والأحلام».
وأكد أن المليشيا الحوثية تُكنّ حقدًا دفينًا على الشُّقَب وأهلها، وتسعى دائمًا إلى الانتقام منهم بسبب دورهم في مقاومة مشروعها الطائفي، موضحًا أن «جرائمها لم تتوقف رغم كل اتفاقيات التهدئة، وما زالت مستمرة في ارتكاب جرائمها دون أي اعتبار للقانون أو الإنسانية».
وشدد على أن «الحسم العسكري هو الحل الوحيد»، وأن أي رهان على التهدئة أو الحوار مع المليشيا سيكون على حساب المدنيين الأبرياء، مضيفًا: «لن يوقف هذه العصابة الإرهابية سوى قوة السلاح وعدالة المعركة».
في ظل الصمت الدولي المخزي، وتواطؤ بعض الجهات الحقوقية التي تساوي بين الضحية والجلاد، تتواصل جرائم المليشيا الحوثية الإرهابية بحق المدنيين في الشُّقَب، دون رادع أو محاسبة. ومع كل يوم جديد، تتسع رقعة الجريمة وتتعاظم المأساة، وسط تقاعس المجتمع الدولي عن أداء دوره الإنساني والأخلاقي.
إن ما تعرضت له قرية الشُّقَب – من حصار وقنص وتدمير وإحراق ممنهج لأكثر من 1115 مزرعة – لا يمثل فقط انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، بل يكشف الوجه الحقيقي لمليشيا لا تؤمن بالسلام، ولا تفهم إلا لغة النار والدمار.
إن هذه الجرائم التي تُرتكب على مدى سنوات، لم تكن حوادث فردية أو أخطاء عشوائية، بل سياسة ممنهجة تنفذها جماعة إرهابية مدعومة من إيران، بهدف كسر إرادة السكان، وإفراغ المناطق من أهلها، تمهيدًا لإعادة احتلالها أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية.
واليوم، وبعد كل هذه الشواهد والحقائق الموثقة، لم يعد أمام الدولة اليمنية و قواتها المسلحة و الأحرار من أبناء تعز واليمن، سوى طريق واحد: طريق الحسم العسكري، كخيار وحيد لإجبار هذه المليشيا على الخضوع لإرادة السلام، والقصاص العادل لكل من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء وأرواح المزارعين والمُهجّرين.