اخبار اليمن
موقع كل يوم -سما نيوز
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
أديب العيسي واحد من أبرز الوجوه التي ارتبط اسمها بالحراك الجنوبي منذ انطلاقته، فقد نذر نفسه وماله وكل ما يملك لقضية الجنوب، ولم يتوانَ عن التضحية في سبيلها، فتعرض للملاحقات والاعتقالات، وأصيب برصاص الأمن المركزي مرتين، ونجا من محاولات اغتيال متعددة كان آخرها التفجير الذي استهدف منزله وأدى إلى استشهاد ابن عمه قاسم بن قاسم ورفيقه المقاوم كمال علي محمد الضالعي. في مرحلة الحراك السلمي كان حاضرًا في الصفوف الأولى، يقود المسيرات والمهرجانات و كان من مؤسسي ثورة 16 فبراير في المنصورة، وعندما اندلعت الحرب الأخيرة كان سبّاقًا للمقاومة وأشرف على معظم الجبهات، ومدّها بالمال والسلاح والغذاء، ووقف إلى جانب أسر الشهداء وعالج الجرحى، ثم بادر بعد تحرير عدن إلى تنظيم لقاء موسع في قاعة فلسطين لقيادات المقاومة وأعلن دمجها في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، وأسند مهمة الإشراف على عملية الدمج إلى القائدين عيدروس الزبيدي وشلال علي شايع.
لم يكن أديب العيسي بعيدًا عن الجوانب السياسية والإدارية، فقد حرص على أن تكون المقاومة رافعة لبناء الدولة لا بديلاً عنها، وزار الرياض مع عدد من قيادات المقاومة للقاء الرئيس عبد ربه منصور هادي حيث جرى الاتفاق على حلول عاجلة لإنقاذ عدن وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، كما عمل عن قرب مع المحافظ الشهيد جعفر محمد سعد، ولاحقًا مع عيدروس الزبيدي حين كان محافظًا لعدن، وساهم في ترشيح العديد من شباب المقاومة لمناصب عسكرية وأمنية ومدنية، ساعيًا إلى دمجهم في مؤسسات الدولة وتطبيع الأوضاع في المدينة.
لم يكن أديب موظفًا حكوميًا ولا منتمياً إلى السلطة، بل جاء من أسرة تمتهن التجارة، ومع ذلك انخرط في معارضة التهميش الذي تعرض له الجنوبيون، وواجه بسياسة صلبة الاستكبار والعنجهية التي مارستها السلطة في صنعاء. وقد تبنى منذ وقت مبكر مشروعًا للتصالح والتسامح، ساعيًا إلى تضميد جراح الماضي الأليم، وهو الذي فقد والده في أحداث 13 يناير 1986، إلا أن هذه الخسارة لم تمنعه من الدعوة إلى تجاوز تلك المرحلة والانفتاح على جميع المكونات الجنوبية في الضالع وردفان ويافع وأبين، ما أكسبه احترامًا واسعًا وعلاقات حميمية مع مختلف الأطراف.
ومن أبرز إسهاماته الفكرية صياغته لرؤية سياسية أطلق عليها اسم 'رؤية الائتلاف الوطني الجنوبي'، إذ كان يرى أن الانتصار للقضية الجنوبية لا يمكن أن يتحقق إلا عبر وفاق وطني واسع يشمل كل القوى والمناطق والتيارات، بعيدًا عن النزعات المناطقية أو الحزبية الضيقة. ورغم أن مجريات الأحداث كثيرًا ما سارت بعكس ما أراده، ظل متمسكًا بمشروعه ورافضًا للاستسلام، حتى بعد محاولة اغتياله التي أرادت شل حركته وإسكاته، لكنه واصل نشاطه مؤمنًا أن الجنوب لن ينهض إلا بتوافق جميع أبنائه.
إلى جانب هذا الدور السياسي والعسكري، عرف عن أديب العيسي عطاؤه الإنساني الواسع، إذ كان يعيل أسرًا كاملة من أسر الشهداء والجرحى والمعاقين والأرامل والأيتام، ولم يتردد يومًا في مد يد العون لكل من قصده طالبًا للمساعدة. كان قريبًا من الناس، كريمًا، شجاعًا، صادقًا في مواقفه، وهو ما جعله يحظى بتقدير واسع واحترام عميق بين أبناء الجنوب. لقد شكلت مسيرته تجسيدًا للنضال والوفاء والإنسانية في آن واحد، وظل حاضرًا في ذاكرة رفاقه وأبناء شعبه كرمز من رموز القضية الجنوبية.
رحمة الله عليك يا أديب.