اخبار اليمن
موقع كل يوم -الأمناء نت
نشر بتاريخ: ٢ أيار ٢٠٢٥
تستعرض 'مآلات” المسارات المحتملة لتداعيات التغيير في سوريا وانهيار نظام الأسد على عدة دول وفاعلين في منطقة الشرق وعلى الرغم من زيادة جوانب عدم اليقين والتعقيدات الناتجة عن تأثر ملفات المنطقة بتفاعل عدة عوامل لا تقتصر على التطورات في سوريا، إلا أن التأثيرات العميقة للتغيير في سوريا – والتي مازالت قيد التشكل بدورها – بات من الممكن تقديم قراءة أولية لها.
سقوط نظام الأسد وتأثير الدومينو
يشير مفهوم “تأثير الدومينو” (Domino Effect) إلى سلسلة من الأحداث التي تنجم عن حدث أولي، إذ يؤدي كل حدث إلى الذي يليه، كما تتساقط قطع الدومينو واحدة تلو الأخرى عند دفع القطعة الأولى. وبالرغم من أن المفهوم له تطبيقات عدة في مجالات السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد والعلوم الاجتماعية والإدارية، إلا أن نشأة المفهوم جاءت من خلفية سياسية إذ استخدمه الرئيس الأمريكي السابق “أيزنهاور” خلال الحرب الباردة لتبرير تدخل الولايات المتحدة في فيتنام، وأشار إلى تخوفات واشنطن من أن سقوط فيتنام في أيدي الشيوعيين قد يخلق “تأثير الدومينو” في جنوب شرق آسيا.
إن سقوط نظام الأسد لا يمثل تغييرا جذريا محليا في سوريا فحسب، بل يشكل نقطة تحوّل في توازنات القوى في الشرق الأوسط، بعدما تراجع النفوذ الإقليمي لبعض الجهات الفاعلة الإقليمية، بينما سعت جهات أخرى إلى ملء الفراغ، ووجدت قوى أخرى نفسها في موقف متحفظ خشية انتقال عدوى التغيير إليها.
واستناداً إلى مفهوم “تأثير الدومينو”، فإن انهيار النظام السوري نفسه هو قطعة دومينو سبق أن حركها طوفان الأقصى وحرب غزة. أي إن تفاعلات الحدثين متداخلة لا محالة، بما يفتح المجال أمام موجة من التغيرات الجيوسياسية الواسعة في المنطقة والتي لا تعني بالضرورة انهيار أنظمة أخرى بشكل مباشر، لكنه يخلق ديناميكيات جديدة قد تدفع بعض الدول إلى إعادة حساباتها الداخلية والخارجية، أو قد تؤدي إلى تصاعد صراعات كانت كامنة، أو تشكيل تحالفات جديدة، أو حتى بروز فاعلين جدد على الساحة.
وهكذا، فإن “تأثير الدومينو” ليس إلا حالة فرعية من الظاهرة الأوسع لتأثير الفراشة (The Butterfly Effect). وهو مفهومٌ نشأ من نظرية الفوضى في الرياضيات والأرصاد الجوية، ويُنسب إلى عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورنز في ستينيات القرن الماضي. والذي يشير باختصار إلى فكرة أن التغييرات الطفيفة في الظروف الأولية يمكن أن تؤدي إلى نتائج مختلفة تمامًا في الأنظمة المعقدة، كما أن رفرفة جناحي الفراشة في البرازيل، قد تسبب إعصارًا في تكساس. وعلى الرغم من أن هذا المفهوم نشأ من العلوم الطبيعية، إلا أنه استُخدم على نطاق واسع في العلوم الاجتماعية، بما في ذلك العلاقات الدولية، لفهم العواقب غير المقصودة للأحداث البسيطة أو التي تبدو غير مهمة، ويُسلّط الضوء على حدود فاعلية التفكير الخطي في عالم معقد وفوضوي ومترابط.
ويفيدنا مفهوم تأثير الفراشة عند الأخذ بأن التداعيات ليست كلها سلبية بالضرورة كما أنها تكون غير متوقعة، وغير مرتبطة مباشرة بالحدث الأصلي، وغير خطية، وذلك بخلاف ما يوحي به تأثير الدومينو الذي يميل أكثر لإثارة احتمال أن الحدث يتكرر تباعا ويكرر النمط الأساسي بصورة أقرب ما تكون إلى الخطية.
وهكذا، فإن تداعيات قرار الطوفان غير المتوقعة وغير الخطية تتشكل نتيجة تفاعل سلوك الأطراف، وصراع مصالحهم، وترابط النسيج الإقليمي، وقد تجلت في نتائج غير مخطط لها وغير مقصودة من قبل مخططي عملية طوفان الأقصى. فمثلا، بينما كانت تستهدف معركة الطوفان توحيد جهود محور المقاومة كداعم رئيسي، فإن نتائجها الراهنة هي إضعاف هذا المحور بصورة استراتيجية من خلال إضعاف حزب الله وسقوط نظام الأسد. لكنّها في المقابل عززت من تأثير الحوثيين إقليميا. كذلك؛ أدى التغيير في سوريا إلى تعزيز نفوذ تركيا إقليميا بل وتعزيز حكم الرئيس أردوغان محليا، وهي نتائج لم تكن ضمن أهداف مخططي عملية طوفان الأقصى، ولا حتى من أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة وحزب الله.
تركيا: تعزيز النفوذ الإقليمي ومكاسب للعدالة والتنمية
تعد تركيا هي الرابح الإقليمي الأكبر من التغيرات في سوريا، خاصة وأنها تمثل نصرا واضحا في صراع النفوذ طويل الأمد مع إيران. وفي المنظور الأوسع، ليس من المبالغة اعتبار التغيير في سوريا إضافة لأوراق تركيا في معادلة تنافسها المعقدة مع روسيا. بالإضافة لذلك، فقد تسبب انهيار نظام الأسد في إضعاف وحدات حماية الشعب الكردية والقوات التابعة لها (قسد) التي تسيطر على الأجزاء الشمالية في سوريا كامتداد لحزب العمال الكردستاني (PKK).
وفي ظل التفاهمات المتوقعة مع الولايات المتحدة بشأن سوريا، فإن تركيا ستكون قد ضمنت القضاء على تهديد قيام حكم ذاتي كردي في شمال سوريا، وهو أمر يغير مجمل ديناميات ملف التمرد الكردي في جنوب تركيا. ومن ثم فإن مسار المصالحة التركية الكردية محليا، والذي كان قد بدأت إرهاصاته بالفعل في أكتوبر الماضي، يكون قد تلقى دفعة إيجابية كبيرة على وقع التغيير في سوريا.
بخلاف غالبية الأطراف الإقليمية، فإن حركة قطعة الدومينو في تركيا تحمل فرصا وليس تهديدات. فقد وضعت المعادلة السورية الجديدة تركيا في قيادة هيكل أمن إقليمي ناشئ يشمل العراق وسوريا والأردن ولبنان، يستهدف ضبط الحدود والتصدي لخطر استعادة تنظيم داعش نشاطه. كما باتت تركيا هي الضامن الأمني لاستقرار سوريا في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وهو ما يخلق معادلة غير مسبوقة قد تكون فيها القوات التركية في حالة تماس مع الجيش الإسرائيلي، بما يمنح أنقرة مزيدا من الأوراق في مواجهة تل أبيب.
وبالإضافة للمكاسب الجيوسياسية، فإن واحدة من التداعيات غير المتوقعة قد تكون إطالة حكم الرئيس التركي أردوغان. إذ جنى أردوغان أرباح رهانه طويل الأمد على دعم فصائل المعارضة السورية مما يساهم في تعزيز وضع حزب العدالة والتنمية الحاكم داخلياً، خاصة مع العودة المحتملة لما يزيد عن ثلاثة ملايين لاجئ سوري. وكذلك فإن تموضع أنقرة في موقع الفاعل الرئيسي في إعادة إعمار سوريا سينعكس على أداء الاقتصاد التركي، وقد تجلى ذلك بوضوح عندما شهدت شركات البناء التركية ارتفاع أسهمها بعد سقوط الأسد مباشرة تحسباً لأنها ستكون في طليعة إعادة إعمار سوريا.
وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية التي تمثل التحدي الأبرز محليا للحزب الحاكم، فإن مسار المصالحة مع الأكراد الذي عززته التغيرات في سوريا قد ينتج عنه تغيرا جذريا في التحالفات الحزبية بما يمكن العدالة والتنمية من المضي قدما في مشروع تعديل الدستور أو كتابة دستور جديد، أو على الأقل وضع نهاية لتحالف حزب الشعب الجمهوري مع الأكراد، وهو التحالف الذي بات يمثل تهديدا لمستقبل الحزب الحاكم.
إيران: انحسار النفوذ الإقليمي والحاجة لعقيدة ردع جديدة
مثّل انهيار نظام الأسد إلى جانب الهزيمة التي تعرض لها حزب الله، تقويضاً لنفوذ إيران وقوتها في المنطقة، وخسارة لمكتسبات إيرانية تراكمت على مدار العقدين الماضيين. حيث عزز الموقع الجيواستراتيجي لسوريا النفوذ العسكري الإيراني، خاصة وأنه قد وفّر جسراً برياً استراتيجياً بين إيران وحزب الله، الأمر الذي مكّن الأخير من امتلاك ترسانة ضخمة من الصواريخ وجعله بمثابة خط الدفاع الأول لإيران ضمن استراتيجية “الردع الأمامي“.
كما كشفت العمليات العسكرية بين إيران و”إسرائيل” خلال حرب غزة عن التفوق العسكري للكيان، وتجلى ذلك بوضوح بعد أن أدت الضربات التي وجهها الاحتلال إلى إيران في أكتوبر/تشرين أول الماضي إلى تقويض الدفاعات الجوية الإيرانية وقدرات إنتاج الصواريخ بشكل كبير.
لا ينتج عن خسارة سوريا قطع خطوط إمداد حزب الله وبالتالي تعطيل أداة الردع الإيرانية الأساسية في مواجهة “إسرائيل” فقط، لكن أيضا نتج عن انهيار نظام الأسد تدمير الاحتلال ما تبقى من قدرات الدفاع الجوي السوري، ما يعني أن الأجواء السورية باتت مفتوحة تماما للطيران الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن الدفاعات السورية لم تكن تمثل سابقا أي عائق للطائرات العسكرية الإسرائيلية المتطورة، فإنها كانت تمثل تهديدا لطائرات التزود بالوقود اللازمة لإمداد الطائرات العسكرية إذا تحركت لشن هجمات في الأجواء الإيرانية. ما يعني أن الطيران الحربي الإسرائيلي تغلب على عقبة رئيسية كانت تحد من قدرته على شن هجوم واسع دون الاعتماد على دعم أمريكي.
على الرغم من أن خيار إدارة ترامب الأول هو إجبار إيران على التفاوض عبر فرض عقوبات صارمة، أكثر تشددا من عقوبات فترة رئاسته السابقة، ما زالت احتمالات التوصل لاتفاق أمريكي إيراني محدودة جدا؛ نظرا لأن ترامب لا يتفاوض على البرنامج النووي فحسب، وإنما يضع أيضا على الطاولة برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وعلاقة طهران بوكلائها في المنطقة.
أي إن ترامب يريد من الجمهورية الإسلامية الاستسلام وليس التراجع التكتيكي، أي أن تتخلى طوعا عن كل استراتيجيتها الدفاعية الأساسية: الوكلاء كخط دفاع أمامي، والصواريخ البعيدة المدى، وأخيرا الردع النووي. وهو أمر ليس من المرجح قبول طهران به بغض النظر عن الضغوط الاقتصادية القاسية. وتمثل استقالة جواد ظريف مساعد الرئيس الإيراني رسالة واضحة على تراجع فرص التفاهم مع الولايات المتحدة.
لذلك؛ فإن الخيار العسكري ليس مستبعدا. وقد يُغري ضعف إيران الحالي الرئيس الأمريكي بتوجيه ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية، خاصة وأن الضغوط الإسرائيلية واضحة في هذا الصدد. ومع ذلك فإن إقدام ترامب على هذه الخطوة يمكن أن يعرض منطقة الشرق الأوسط بأكملها لمخاطر كبيرة، ويطلق المزيد من تأثير الدومينو في المنطقة. وبالنظر إلى الوضعية الجديدة لإيران بعد أن فقدت خطوطها الأمامية وتراجع نفوذها في المنطقة؛ فإن أي تهديد من “إسرائيل” وأمريكا للمصالح الحيوية لطهران، سيجعل الأخيرة في وضع “الزاوية” ويدفعها إلى الاعتماد على قدراتها العسكرية التقليدية والرد بشكل مباشر.
وفي هذه الحالة سيكون من المرجح أن تستخدم إيران استراتيجية “التصعيد من أجل التهدئة” عبر مهاجمة المنشآت النفطية وتعطيل الشحن البحري في الخليج العربي ومضيق هرمز، وذلك بهدف حشد جهود خفض التصعيد من جانب الدول الخليجية المصدرة للنفط والغاز وكذلك الصين والهند واليابان باعتبارهما من كبار مستوردي الطاقة من الدول الخليجية.