هل تقف الإمارات وراء انتهاكات عابرة للحدود من الفاشر إلى حضرموت لإعادة تشكيل نفوذها؟

يكفي التأمل في المقطع القصير الذي يوثّق بكاء طفلة في سيئون أثناء طردها من منزلها، لفهم حجم الانهيار الذي اجتاح وادي حضرموت خلال الأيام الماضية، عقب اقتحام ميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات للمنطقة.

المشاهد المتداولة من الوادي كانت صادمة؛ مشاهد تكاد تتقاطع مع ما شهدته مدينة الفاشر السودانية، حيث تعرّض المدنيون لانتهاكات واسعة على أيدي قوات الدعم السريع المموّلة إماراتياً.

منذ فجر الأربعاء، ومع دخول قوات الانتقالي إلى مدن الوادي، توسعت دوائر الفوضى بشكل متسارع. عشرات المنازل في سيئون والقطن وتريم تعرّضت للاقتحام، بينما عاش الأهالي—خصوصاً النساء والأطفال—حالة من الذعر غير المسبوق.

وأكد شهود عيان أن حملة نهب منظّمة طالت ممتلكات عامة وخاصة، ترافقت مع موجة اعتقالات عشوائية استهدفت مدنيين وضباطاً وعسكريين كانوا قد تلقّوا أوامر بعدم الاشتباك، ما دفعهم للبقاء في منازلهم أملاً في تجنّب التصعيد.

غير أن حملات المداهمة وصلت إليهم داخل أحيائهم، في حين انتشرت عناصر الانتقالي في الشوارع والحواري، ونفّذت سلسلة من الانتهاكات شملت السطو على متاجر ومركبات، ونهب ممتلكات موظفين حكوميين، إضافة إلى اقتحام مرافق حكومية سقطت دون مقاومة تُذكر.

وتعمّقت صورة الانفلات مع انتشار مقاطع صادمة توثّق معاملة مهينة للجرحى والأسرى، خصوصاً في مواقع تابعة لبترومسيلة، حيث ظهر مقاتلون ممدّدون على الأرض تحت سيل من الشتائم والإهانات. مشاهد أعادت إلى الواجهة ذاكرة جروح قديمة، ما تزال حاضرة في الوعي الحضرمي ولم تلتئم بعد.

وفي مطار سيئون أخذ المشهد بُعداً أكثر خطورة، مع ما وصفته مصادر محلية بعملية تفكيك ممنهجة لمقدرات مؤسسات الدولة. فبحسب تلك المصادر، جرى نزع أجهزة التفتيش والسيرفرات وأنظمة المراقبة والبوابات الإلكترونية وحتى معدات السلامة مثل صفايات الحريق، قبل أن تُعامل كغنائم منقولة.

وبالتزامن مع ذلك، تشير مصادر عسكرية وطبية تحدثت لـ'المهرية نت' إلى احتجاز المئات من جنود وضباط المنطقة العسكرية الأولى داخل صالات المطار—ومن بينهم ضباط من أبناء حضرموت.

وتؤكد هذه المصادر أن مليشيا المجلس الانتقالي اعتقلت أربعة من الضباط والجنود ونقلتهم إلى أحد المعتقلات داخل المطار، قبل أن تتم—بحسب روايات المصادر—تصفية المعتقلين لاحقاً وتسليم جثثهم إلى المستشفى.

وسط هذه الصورة القاتمة، خرج محافظ حضرموت سالم الخنبشي ليثبت ما توثّقه الوقائع، مؤكداً وقوع عمليات واسعة استهدفت الممتلكات العامة والخاصة. وأضاف أن ما حدث في سيئون ومدن الوادي يكشف الوجه الحقيقي لمشهد تتوارى فيه مؤسسات الدولة، وتبرز فيه سطوة السلاح كمرجع وحيد لإدارة الواقع.

المموّل واحد… من حضرموت إلى الفاشر

قال الباحث والمحلل السياسي منتصر العماد في حديثه لـ'المهرية نت' إن أحداث وادي حضرموت خلال الأيام الأخيرة لا يمكن النظر إليها كوقائع عابرة، بل تبدو ــ وفق وصفه ــ “استنساخاً شبه كامل” لما شهدته مدينة الفاشر في السودان على يد قوات الدعم السريع. ويرى العماد أن تكرار الأساليب والنتائج في الساحتين يشير إلى “ممّول واحد” يقف خلف المشهدين، على حد تعبيره.

ويؤكد العماد أن الإمارات تستخدم الأدوات ذاتها في عدة مسارح إقليمية، الأمر الذي يؤدي ــ بحسب تقديره ــ إلى إضعاف مؤسسات الدول وخلق بيئة من الفوضى تُتيح فرض السيطرة عبر قوى محلية مسلحة.

وفي هذا السياق، يشير إلى تقرير نشرته صحيفة ميدل إيست آي البريطانية حول استخدام مليشيا المجلس الانتقالي في اليمن أسلحة شبيهة بتلك التي حصلت عليها قوات الدعم السريع في السودان من أبوظبي.

وبحسب العماد، تكشف تقارير متعددة امتلاك قوات المجلس الانتقالي معدات عسكرية متقدمة مصدرها الإمارات، من بينها مدافع هاوتزر صينية من طراز AH-4 وآليات مدرعة إماراتية، ما يعزز ــ وفق قوله ــ اتجاهاً لفرض واقع انفصالي بالقوة.

ويرى العماد أن ما يحدث في حضرموت يدخل ضمن “مشروع إقليمي متكرر” يتجاوز حدود الصراع المحلي على النفوذ، ويضع المدنيين وموارد المحافظات في صدارة الاستهداف. ويضيف أن الإمارات تواصل توسيع نفوذها “من أقصى المغرب العربي إلى شرقي اليمن” بطريقة توحي ــ كما يقول ــ بالتعامل مع المنطقة كفضاء بلا سيادة حقيقية لشعوبها ودولها.

ويشير إلى أن ما جرى في حضرموت لا ينفصل، وفق قراءته، عن التدخلات الإماراتية في السودان وليبيا وغيرها من الدول التي شهدت صراعات وانقسامات وحروب وكالة، يُتهم فيها دور أبوظبي بالمساهمة في تغذيتها وتوفير غطاء يسمح باتساع الانتهاكات.

ولفت الباحث، أن التشابه بين ما حدث في الفاشر وما يجري في حضرموت يكشف “نمطاً ثابتاً” من التدخلات الهادفة إلى السيطرة على الموارد وتوجيه مسارات السلطة داخل الدول.

وفي هذا الإطار، يرى أن التصعيد العسكري للمجلس الانتقالي في حضرموت يأتي كجزء من رسائل إماراتية مرتبطة بالصراع السوداني، خصوصاً مع دعم السعودية للحكومة السودانية في مواجهة قوات الدعم السريع، وهو ما تعتبره أبوظبي ــ بحسب التحليلات ــ مساساً بمصالحها ونفوذها في المنطقة.

صِدام سعودي إماراتي

من جانبه, قال الصحفي مصعب عفيف في تصريح لـ'المهرية نت' إن الإمارات بدت، منذ اللحظة الأولى لإعلان التحالف لدعم الشرعية، وكأنها تتحرك في مسارين متوازيين؛ تُظهر التحالف مع السعودية من جهة، وتعمل على تشكيل مسارات موازية قد تتعارض مع مصالح الرياض من جهة أخرى.

ويشرح عفيف أن أبوظبي نجحت خلال سنوات الحرب في بناء مراكز نفوذ داخل مدن يمنية عدة، الأمر الذي ساهم ــ بحسب تقديره ــ في إعادة صياغة مسار الصراع وإغراق البلاد في مواجهات داخلية أضعفت مؤسسات الدولة وأثّرت على مستقبلها السياسي.

ويضيف أن الإمارات تعمل حالياً على توسيع حضورها الجغرافي والسياسي بطريقة تطوّق السعودية من البر والبحر، سواء عبر صحراء حضرموت أو من خلال نفوذها المتنامي في السودان على ضفتي البحر الأحمر.

ويشير إلى أن أبوظبي تسعى لترسيخ وجود طويل الأمد في اليمن بدور يشبه 'شركة أمنية إقليمية' تخدم تحالفات غربية وإسرائيلية، بالتوازي مع استمرار دعمها لقوات الدعم السريع في السودان ضمن صراع إقليمي معقّد حول النفوذ والثروات.

وبحسب عفيف، فإن الدور الإماراتي في تغذية حروب الوكالة بعدة دول عربية خلق بيئات مضطربة تستخدم فيها القوى المحلية كأدوات لتمديد النفوذ، وهو ما وضع أبوظبي في حالة تنافس محتدم مع السعودية ومصر في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

من جهته، قال الأكاديمي والكاتب سهيل الجميل لـ'المهرية نت' إن الخطاب الإعلامي الإماراتي وبعض السياسات الرسمية يعكسان توجهاً صدامياً مع تطلعات الشعوب العربية، في الوقت الذي تعمل فيه أبوظبي على تعزيز حضور سياسي واقتصادي يتجاوز حجمها التاريخي والجغرافي.

ويرى الجميل أن الإمارات، باعتبارها دولة حديثة التشكّل، تحاول تعويض ضعف تراكمها التاريخي من خلال الاستثمار المكثف في النفوذ الإقليمي، اعتماداً على قناعة بأن المال يمكن أن يصنع حضوراً سياسياً يفوق قدراتها الطبيعية.

ويخلص الكاتب إلى أن التداخل بين المال والسياسة يشكّل جوهر المشروع الإماراتي في المنطقة، في لحظة تبدو التطورات الأخيرة على حدود السعودية امتداداً لسلسلة من الفوضى والانتهاكات التي تعمل الإمارات على إشعالها عبر أدوات محلية تعمل خارج مؤسسات الدولة وتستهدف توازنات المنطقة وأمنها.

وفي المحصلة، ومع تصاعد هذه الممارسات، تتزايد الحاجة إلى موقف إقليمي حازم يضع حداً لانفلات السلاح الإماراتي الموزع على ميليشيات وجماعات مسلحة، ويوقف نزيف الانتهاكات الإنسانية بحق المدنيين، ويمنع تحويل المناطق الحدودية مع السعودية إلى ساحات صراع مفتوح تهدد استقرار اليمن والمنطقة بأسرها.

قراصنة يهاجمون سفينة في باب المندب

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية اليوم الجمعة أن سفينة كانت تمر عبر مضيق باب المندب على بعد 15 ميلا بحريا غرب اليمن تعرضت لهجوم من قراصنة مشتبه بهم.

وذكر مركز عمليات التجارة البحرية التابع للجيش البريطاني في المملكة المتحدة أن الحادث شهد مطاردة سفينة من قبل سفن أصغر حجما أطلقت النار عليها.

كما أفاد بأن القوارب غادرت الموقع، ونقل عن ربان السفينة قوله إن الطاقم بخير، وإنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وقالت شركة الأمن الخاصة 'ديابلوس غروب' إن السفينة تعرضت لهجومين، وإن حراسا مسلحين على متنها أطلقوا النار ردا على ذلك، وأكدت الشركة أن طاقمها سالم، ووصفت السفينة بأنها ناقلة بضائع سائبة.

ويربط مضيق باب المندب البحر الأحمر بخليج عدن، ويفصل القارة الأفريقية عن شبه الجزيرة العربية.

وشهدت المنطقة هجمات شنها الحوثيون في اليمن على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بالإضافة إلى تصاعد أعمال القرصنة من الصومال، لكن الحوثيين أوقفوا هجماتهم مع استمرار وقف إطلاق النار الهش في القطاع.