اخبار اليمن
موقع كل يوم -المشهد العربي
نشر بتاريخ: ٢٢ أيار ٢٠٢٥
تحلّ إعلان فك الارتباط في 21 مايو، لا كمجرد لحظة رمزية في التاريخ الجنوبي، بل كمحطة سياسية لمسار النضال الجنوبي ومسار وحق شعبه في استعادة دولته كاملة السيادة.
وبينما جاءت تلك اللحظة التاريخية في عام 1994 قد جاءت في ظل تحديات هائلة وغياب للغطاء الدولي، فإن الوضع حاليًّا مغاير بشكل كامل، حيث يقف الجنوب على أرضية صلبة، مزوّدة بعناصر القوة السياسية والعسكرية والأمنية.
هذا الواقع يجعل الجنوب العربي أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق مشروع دولته المستقلة بواقعية مسؤولة.
لقد تغيّر الجنوب كثيرًا خلال الفترات الماضية، فلم يعد مجرد جغرافيا تبحث عن اعتراف، بل أصبح كيانًا سياسيًا متماسكًا يتجسّد من خلال مؤسسات واضحة المعالم، على رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي.
وقد نجح المجلس في أن يترجم تطلعات الشعب الجنوبي إلى مشروع سياسي منظم، يتحرك على المستويين الداخلي والخارجي بمرونة وديناميكية تحاكي المتغيرات الإقليمية والدولية.
كما أثبت قدرته على تمثيل الجنوب بصوت موحد، دون أن يقع في فخ الإقصاء أو الارتجال، وهو ما منح القضية الجنوبية وزناً تفاوضياً لم يكن متاحًا في مراحل سابقة.
أما على الصعيد الأمني والعسكري، فقد أسّس الجنوب منظومات أمنية فاعلة وقوات منظمة تتوزع في معظم محافظات الجنوب، وتمارس دورًا جوهريًا في حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب.
فالقوات المسلحة الجنوبية، أثبتت كفاءة عالية في ضبط الاستقرار، وتأمين المدن، ومواجهة التنظيمات المتطرفة، دون أن تكون رهينة لأجندات خارجية، وهو ما عزّز من ثقة المواطنين بها وبدورها الوطني.
هذا التقدم اللافت في بناء المؤسسات، لم يكن وليد لحظة، بل هو نتيجة تراكم نضالي، وتدرج في تحمل المسؤولية، بما يعكس نضجًا سياسيًا ملحوظًا لدى القيادة الجنوبية.
وبدلًا من التمترس خلف الشعارات، أظهرت القيادة الجنوبية التزامًا حقيقيًا ببناء نموذج مؤسسي، ينطلق من الأرض ويتفاعل مع الواقع بما يساهم في تحقيق تقدم نوعي للمسار التحرري.
مقومات بناء الدولة الجنوبية لم تعد محل شك، بل باتت أمرًا ملموسًا على الأرض، سواء من خلال استقرار المناطق الجنوبية نسبيًا مقارنة بمناطق الشمال التي تشهد فوضى سياسية ومليشياوية، أو من خلال حضور الجنوب في المحافل الإقليمية والدولية بصيغة أكثر تنظيمًا.
يضاف إلى ذلك، تنامي الوعي الشعبي بأهمية المشروع الوطني الجنوبي، باعتباره مشروعًا للكرامة والسيادة والتنمية، وليس فقط استعادة جغرافيا.
في ضوء هذه المعطيات، فإن ذكرى إعلان فك الارتباط هذا العام تحمل دلالات أعمق من أي وقت مضى، فهي لم تعد استذكارًا لموقف سياسي مضى، بل استحضارًا لحقيقة واقعية مفادها أن الجنوب يمتلك اليوم كل الأدوات اللازمة لبناء دولته.