اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
سهى الجربي*
1
صحيحٌ أخبرتك أنني غابةٌ مهجورة،
لم أكن أعلم أنّ أصابعك
أعوادُ كبريتٍ تُضرم فيّ كلّ هذه الحرائق
وترحل.
هل رأيتَ غابةً تمشي؟
كذلك جئتك بمسالكي المتشعّبة،
وأنت طفلٌ جرّبتَ معي لعبةَ الأعشاش،
أفزعتَ عصافيري فوق عشبك،
وأدرتَ ظهرك للطريق.
حين قلتُ لك إنني غابةٌ متشعبة
ليس لتعلّق على أحراشي
تلويحاتك وتمرّ.
2
كلانا في الطريق:
زهرةٌ تحلمُ بيد،
ويدٌ تحلم بزهرة.
من أوجد في منتصف الحكاية: كتابًا، رفًّا، ومزهريةً؟
خطوطًا لنهاية الطريق، على طريقة الزهور.
ما شعورُ وردةٍ في إصٍّ عند نافذة،
ترقص فرحًا لرؤية الغيم
ثم تُسقى بماء حنفية؟
كشعور امرأةٍ تكتب عن الحب
وتنام متوسّدةً كومةَ نصوص.
كطريقةٍ لجبر الخواطر،
يَقُصّون الورد،
ويبتكرون له جنازةً أرستقراطية
بين دفّتَي كتاب.
لأجل ذلك رفضتُ دور البطولة
في روايةِ أحدهم.
3
مددتُ كفّي فقط لأوسّع فجوات
ضلوعك،
كي يدخل قرصُ الشمسِ كاملًا
هناك.
لكنْ أن تعلَق يدي في قضبان صدرك،
هذا ما لم نتّفق عليه.
مددتُ كفّي
لأقتلع الأعشابَ الطفيليةَ النابتةَ بين ممرات ضلوعك،
فوجدتُ حديقةً ومقعدًا حجريًا هناك،
فجلستُ أستريح هناك.
4
أنا امرأةٌ لا تُحسن المشيَ على الحبال،
كلما ناديتني
تعثّرتُ في خيوط صوتك.
كم يلزمني من لوحِ صدري
لألتقط الشظايا المنزلقة من حافة صوتك
على هيئة: 'أحبكِ'.
لستُ وحدي من ينتفض لصوتك،
كلما فركتُه بين أصابعي
تقافزتْ في يدي غابةٌ من النايات.
5
لأنني ملطخةٌ باليباس،
أكتب ليلًا عن النهر،
وأفتّش عن وجهي طافيًا على صفحات النص.
لأنني لا أمشي بتؤدة،
أكتب كثيرًا عن النهر،
وأتعثّر في كلّ وجهٍ يقف على ضفّة قلبي.
كثيرون تحدّثوا
عن بقع الضوء في قصائدهم،
فكتبتُ عن البحر مرّاتٍ ومرّات.
ربّما تعثّر إصبعي
في شعاعِ منارة،
وأقصّ عليكم رائحةَ الضوء
في النص.
6
في علبةِ ألوانٍ
ستجد اسمَ أحدهم،
لونك المفضّل دائمًا.
أمام بيتك:
شجرةٌ، عمودُ كهرباء،
وتمثالُ امرأةٍ
تجمّدتْ من الحب.
في الدولاب،
هناك عناقاتٌ
على هيئةِ فساتين.
7
أثق في الحب
كما تثق حمامةٌ في يدٍ تلوّح لها.
غالبًا لا نفرّق بين إصبعٍ ينادينا ورصاصة.
من وراء نافذةٍ أطلّ عليك،
كما تُطلّ حمامةٌ
على يدك
كأنها حقلٌ نبت لأجلها فقط.
في الأخير، كلانا مقبوضٌ عليه.
لم أكن أعلم أنّ أناملك سحرية
تحوّل يدي إلى غيمةٍ ماطرة.
هل تذكر آخر مرّة
كيف أنجبنا كلماتٍ كثيرة
ثم تركناها مشرّدةً على الطاولة
وانصرفنا؟
البارحة، اعترضتني إحداهنّ على هيئة 'أحبك'،
أمسكتْ بثوبي ولم تتركه.
8
لم يكن عرقًا،
بل كفّي أجهشتْ بالبكاء
حين لوّحتُ لك.
ظننتَ أنّ السقف يقطر،
لكنّ الحنين فاضَ بإطار صورتنا.
9
يُطيرني الحب
كما تطير سمكةٌ بصنارة صيّادها
ظنّتْ أنّ لها جناحين.
كلانا يلقى حتفه في ذات السلة.
الصخور على جنبات البحر
دموعه غير قابلةٍ للتكسير
كشاماتي تمامًا، وهي حيّزُ انتظارك.
10
لأجلِ شربةِ ماءٍ من فمِ بئر،
يقطعُ الدلوُ المسافةَ مشنوقًا،
تمامًا كما أفتّش عنك كل مرة.
لست بريئًا.
لو شقّوا صدرك،
لوجدوا امرأةً مشنوقةً عند أحد أضلاعك.
حين أخبرتك أنّك سقفي،
لم يكن لتشنقني كمصباحٍ أعلى ضلعك
تُطفئه بضغطة زرّ.
11
ترمي بنفسها
على مظلّتك،
على زجاج نافذتك،
عند مدخل بيتك:
قطرةُ مطر.
تحاول أن تشرح لك
عناءَ التبخّر، التكتّل، والنزول.
هذا ما أفعله تمامًا
كلّما كتبتُ فيك نصًّا.
حفنةُ مطر
لجأتْ للمزاريب بدل جولةٍ في نهر
كي تجد طريقها إليك.
الآن هي ملقاة على رصيف،
تدوسها نعالٌ لا تعرفها.
12
يترك العشاق
أسماءَهم على جذوع الأشجار،
فتشرقُ فيها المدافئ
وتقضي بقيّة أيامها تسعل.
ليست زقزقةً،
إنما مرثيّةُ أسماء العاشقين
تقرؤها العصافير كلّ صباح.
في البرد،
تلتقي أسماء العاشقين
على هيئة حطب.
* شاعرة تونسية.