اخبار اليمن
موقع كل يوم -سما نيوز
نشر بتاريخ: ١٩ أيار ٢٠٢٥
انعقد اليوم في العاصمة المؤقتة عدن اللقاء التنسيقي الأول بين إعلاميي المقاومة الوطنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، في خطوة حملت أكثر مما أُعلن عنها في ظاهرها، وأثارت جملة من الأسئلة لدى المتابعين والمراقبين للشأن اليمني، خاصة في ظل تباين المشروعين والرؤيتين والغايات السياسية التي يمثلها كل طرف .
قد يبدو اللقاء في مضمونه الإعلامي محاولة لبناء جسور تفاهم وتنسيق، غير أن القراءة الاستراتيجية الأعمق تكشف عن مشهد أكثر تعقيدًا، فالمقاومة الوطنية تمثّل جناحًا جمهوريًا يُعلن تمسكه بوحدة اليمن، بينما يرفع المجلس الانتقالي الجنوبي لواء استعادة الدولة الجنوبية كهدف نهائي، بين هذين الخطابين يكمن تناقض جوهري لا يُعقل تجاوزه بلقاء إعلامي عابر، ما يجعل ما جرى أقرب إلى 'زواج مسيار سياسي'، يقوم على حاجة مؤقتة ومصلحة ظرفية، لا على توافقات وطنية راسخة أو رؤية سياسية مستدامة .
هذا اللقاء لا يُقرأ فقط في سياق ترتيب العلاقات بين فاعلين سياسيين ضمن معسكر التحالف العربي، بل يكشف أيضًا عن التحولات العميقة في أدوات الاشتباك السياسي والإعلامي في اليمن، حيث صارت التحالفات والتفاهمات تُبنى على قاعدة المناورة والتكتيك، لا المبادئ ولا الثوابت، فالمواقف أصبحت مرنة حد السيولة، والشعارات لم تعد مرجعًا ثابتًا بقدر ما صارت أوراق تفاوضية قابلة للطي أو التلويح بها حسب الحاجة .
الخطير في هذا المسار هو ما ينعكس على الخطاب الإعلامي ذاته، إذ لم يعد الإعلام في مثل هذه اللقاءات وسيلة للارتقاء بالوعي الجمعي أو توجيه الرأي العام نحو المشتركات الوطنية، بل تحوّل تدريجيًا إلى أداة ترويجية لاتفاقات فوقية، لا تعكس نبض الشارع ولا تعير اهتمامًا لمآسي الناس اليومية في عدن أو أبين أو حضرموت أو لحج، إعلام بلا بوصلة وطنية حقيقية، ينتهي غالبًا إلى تزييف الوعي لا تشكيله .
كما أن اللقاء يعكس حالة انفصام سياسي لا يمكن التغاضي عنها، فمن جهة يُعلن طرف استعادة الجنوب كحق مشروع غير قابل للتفاوض، ومن جهة أخرى يتحالف ميدانيًا وإعلاميًا مع طرف يتمسك بخريطة اليمن الموحد، هذا التناقض الصارخ ليس مجرّد خطأ في الحسابات، بل هو نتاج مباشر لغياب المرجعيات السياسية الوطنية الجامعة، وتحول أغلب القوى إلى كيانات جزئية تبحث عن مكاسب مرحلية في ظل فراغ استراتيجي شامل .
وإذ يرى البعض في اللقاء مؤشرًا على نضج في الوعي السياسي، فإن واقع الحال يُظهر أنه أقرب إلى تقاطع مصالح مؤقت بين أطراف فقدت الثقة ببعضها البعض، لكنها وجدت نفسها مضطرة لتبادل المنافع تحت سقف الضرورة، هو لقاء فرضته الحاجة، لا القناعة، تحكمه الهواجس أكثر مما تحكمه الرؤى .
في هذا السياق، يصبح المواطن الجنوبي أو اليمني عمومًا مجرد متفرج على مشهد سياسي لا يعكس أولوياته ولا يعالج معاناته، بل يمعن في تجاهلها، ففي الوقت الذي تنقطع فيه الكهرباء لساعات طويلة، وتغيب فيه الخدمات الأساسية، تنشغل النخب السياسية في إنتاج صور اللقاءات وتبادل المجاملات، بعيدًا عن مسؤوليتها الأخلاقية والعملية تجاه الشعب .
باختصار، هذا اللقاء لم يُبنَ على صدق سياسي، ولا على وضوح في الرؤية، بل على اضطرار مشترك فرضته الظروف وتعقيدات المشهد اليمني، إنه تقارب هش، محدود الأثر، وقابل للانفجار عند أول تعارض في المصالح أو اصطدام في الأجندات، وهو ما يجعلنا أمام لحظة فارقة تستدعي من النخب الوطنية أن تعيد تعريف الأولويات، وأن تضع مصالح الناس فوق حسابات الصفقة السياسية المؤقتة .