اخبار اليمن
موقع كل يوم -المشهد اليمني
نشر بتاريخ: ٧ أيار ٢٠٢٥
طفل غنّى للنكبة ورحل شهيدًا .. بصوتٍ طفوليّ مشبع بالحسرة، نطق الطفل الفلسطيني حسن عياد بكلمات: 'اشهد يا عالم علينا وهدموا بيوت، والعرب بنومة هنية'، مسجّلًا آخر لحظاته بصوتٍ صارخٍ في وجه العالم، قبل أن يسكت للأبد تحت أنقاض العدوان على قطاع غزة، حسن ابن الثالثة عشرة، لم يكن فنانًا محترفًا ولا ناشطًا سياسيًا، لكنه اختار أن يقاوم بطريقته الخاصة: أن يغني.
الأنشودة التي قدّمها حسن لم تكن جديدة، بل كانت تناصًا مؤلمًا مع نشيد فرقة العاشقين خلال اجتياح بيروت عام 1982، تلك التي كتبها الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور، وأعاد توزيعها موسيقيًا حسين نازك، لتصبح رمزًا فنيًا لصمود بيروت. حسن أعاد إحياء تلك الكلمات، ليعكس مشهدًا جديدًا من نفس المأساة، على مسرح أكثر وجعًا: غزة المحاصرة.
أنشودة من الركام.. ووثيقة في أرشيف النضال
حين غنّى حسن كلمات دحبور: 'بالطيارات إحنا دقنا طعم الموت، غارة برية وبحرية...' لم يكن يدري أن هذه الكلمات ستُعاد نشرها كوصية. ظهر في الفيديو إلى جانب والده، وهو يهتف من بين الركام، فصار مقطعًا مؤثرًا تداوله الملايين بعد استشهاده، شاهداً على الإبادة المستمرة، وصمت العالم، وتخاذل العرب.
روّاد مواقع التواصل نعوه بكلمات تنزف ألمًا، وكتب أحدهم: 'أنشد حسن للمقاومة، للطفولة المحاصرة، لغزة التي رحل فيها قبل أن يكتمل لحنه الأخير'، ووثّق آخرون ارتباطهم الشخصي بالطفل، مشيرين إلى صوته في مدرجات الملعب البلدي، وصورته في الأعراس والمناسبات الشعبية، ليصبح فقده فقدًا جماعيًا لذاكرة الحي.
من بيروت إلى غزة.. حكاية متكررة
ما ميّز أنشودة حسن أنها لم تكن تقليدًا أو استنساخًا، بل إعادة إنتاج فني لمعاناة متكررة. الصحفية نهى سعداوي كتبت في مقال نشرته قبل شهر من العدوان: 'كلمات دحبور كانت تأريخًا لحصار بيروت... كأن الشاعر يقبض على قلبه وهو يكتب'. أما حسن، فقبض على صوته ليوثق إبادة غزة، تمامًا كما فعل دحبور مع بيروت.
عندما غنّى حسن، لم يكن بحاجة لآلات موسيقية، بل لحشرجة وجع، صاغها بإيقاع طبيعي فطره الحصار في داخله. وقالها بكل وضوح: 'سدوا المعابر بالجوع الناس تموت، شنوا هالحرب النازية'. كلمات تختصر الواقع: مستشفيات مدمّرة، ماء ملوث، جوع يخنق الأطفال، ودمار طال أكثر من 170 ألف شهيد وجريح، بينما العالم يكتفي بالإدانة.
أغنية تُورِّث المقاومة
استشهاد حسن لم يكن فقدانًا جديدًا لطفل فلسطيني فقط، بل لحظة رمزية تكرّس فكرة أن الفن المقاوم لا يموت. كثيرون رأوا في غنائه لتلك الكلمات، 'تناقلًا للشعلة'، حيث تنتقل راية النضال من جيلٍ إلى جيل، من بيروت إلى غزة، ومن دحبور إلى حسن، ومن القصيدة إلى صوتٍ صغير تصدّى للطائرات بالأغنية.
لم يكن حسن مشروع مغنٍ، بل مشروع شهيدٍ كتب وصيته بلحن، وقال كلمته قبل أن يصمت جسده. صوته سيبقى في ذاكرة المقاومة، وأرشيف النكبة، شاهداً على أن أطفال غزة لا يُكملون أغنياتهم، بل يُدفنون على نوتات الفقد.
حسن عياد، شهيد غزة، أنشودة اشهد يا عالم، أحمد دحبور، فرقة العاشقين، الإبادة في غزة، أطفال فلسطين، المقاومة الفلسطينية، غزة تحت الحصار، صبرا وشاتيلا، بيروت 1982، الاحتلال الإسرائيلي، ضحايا العدوان على غزة، ذاكرة النكبة، الفن المقاوم، أصوات من غزة