اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ٣٠ نيسان ٢٠٢٥
عندما تطأ أقدامك محافظة المهرة، فأنت في أرض يمنية، تروي معالمها وإيقاع الحياة فيها حكاية مختلفة عن باقي الأرض اليمنية في الوقت الراهن.
تخبرك التفاصيل اليومية، والملامح العامة، أنك أمام نسخة مصغرة من اليمن الكبير، الذي فقده اليمنيون قبل أكثر من نحو عقد، بسبب الحرب، والصراع، التي أدت لتشظي البلد، وتقطع أوصاله، وخلق واقع جديد لم يألفه اليمنيون من قبل.
تقع المهرة في أقصى شرق اليمن، وهي محافظة حدودية، ترتبط برا مع أبرز دولتين خليجيتين، سلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية، وهذا الموقع البعيد في الأطراف جعلها منسية إلى حد ما، وحضرت الدولة بمؤسساتها ومشاريعها وهيكلها الحكومي، لكن ظلت المحافظة بعيدة عن اهتمام اليمنيين، واستكشافهم لها، مع استثناءات بسيطة بحكم المنافذ البرية الخارجية، مثلما ظلت ملامحها العامة محدودة، ومحصورة في عدد قليل من السكان، وتوسع عمراني بسيط.
لكن هذا الوضع تغير اليوم، وبدا مختلف كليا عمان كان عليه قبل عشر سنوات، فالحرب التي اندلعت خلال العام 2014 في شمال اليمن، والتي انتهت بسقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين، ثم توسع دائرة النار إلى عدن، ثم اندلاع الحرب التي قادتها السعودية لاحقا ضد الحوثيين، كان لها تأثيرها المباشر على الحياة العامة في محافظة المهرة، من مختلف الجوانب.
مظاهر الحياة
اليوم تبدو المهرة أحد أبرز وأهم المدن اليمنية، أو تلك الموصوفة بالمحررة، الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية في عدن، وذلك لعدة عوامل، أبرزها التدفق الكبير للسكان من عدة مدن بحثا عن مساحة آمنة بعيدا عن الحرب، ثم النشاط التجاري، والسفر عبر المنافذ البرية في المحافظة، كمنفذ صرفيت، ومنفذ شحن، المجاورين لسلطنة عمان، واللذان ظلا يعملان، بعد توقف حركة الطيران الدولية، وتعطل بعض الموانئ اليمنية، وغلق بعض المنافذ البرية المشتركة مع السعودية، وأسهمت التسهيلات المقدمة من سلطنة عمان لليمنيين عبر منافذها مع اليمن بتدفق حركة المسافرين، وانتعاش التجارة، وهو ما انعكس على الوضع العام للمهرة.
تبعا لهذا توسعت دائرة العمران في المهرة بشكل غير مسبوق، ونشطت الحركة التجارية، وارتفع عدد السكان والساكنين، وتدفق الزوار من عدة محافظات، بالتزامن مع حضور ملموس للدولة بمختلف أجهزتها، ما أوجد بيئة آمنة وملائمة، خاصة مع توفر مجالات التعليم، كافتتاح جامعة المهرة، وتواجد جامعات محلية غير حكومية، وانتظام صرف الرواتب لمنتسبي الوظيفة الحكومية، على الرغم من تدنيها.
وسعت السلطة المحلية الحاكمة في المهرة طوال الفترة الماضية لتوفير ما يمكن توفيره من مشاريع البنية التحتية المستدامة، كعملية الإصلاح الجزئية للشوارع العامة، وإنارتها عبر الطاقة الشمسية، والاهتمام بخطوط الطرق الدولية، ولو جزئيا، وهو ما تلمسه بوضوح، على الرغم من الحاجة الفعلية لاهتمام واسع النطاق لهذه المشاريع.
يتحدث مختصون حكوميون عن مشاريع لمنظمات دولية تهتم بهذه المجالات، لكن مسؤول حكومي آخر يؤكد أن نسبة كبيرة من إيرادات المحافظة باتت تتحكم بها السلطة المحلية، لخدمة المحافظة ذاتها، ما أسهم في توفير مصدر دخل يلبي الحد الأدنى من الخدمات، ويدفع نحو استقرار الوضع.
هذا الوضع جعل المهرة تتمتع اليوم بشبه حكم ذاتي، وإدارة ذاتية، يتحكم فيها أبنائها بمختلف الوظائف العامة، وهي حالة لم تكن معهودة من قبل، ومنحهم هذا حضورا أكثر حيوية في تقلد المناصب، وإدارة الوضع العام، ضمن الدولة اليمنية، بمزيج يجمع بين التعايش مع الآخر، وإتاحة الفرصة للجميع.
تنوع المكونات
وتخلو الحياة السياسية من مظاهر التصادم في المهرة، وحافظت المحافظة على وضع يحتوي الجميع، ويتيح قدرا من الحرية المسؤولة، دون تجاوز للحدود التي تعكر صفو الحياة بشكل عام، فهناك لجنة الاعتصام السلمي، وهي كيان ظهر نهاية العام 2017 للتنديد بالوجود السعودي، واستقطبت قطاع واسع من السكان، وتمكنت من إحياء الغضب الشعبي، وإجهاض مظاهر التواجد السعودي، ولفت أنظار العالم تجاه هذا التواجد، ثم مضى معها بخط موازي المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى، بعد إعادة تشكيله من قيادات جديدة.
وفي المقابل هناك المجلس الانتقالي ذو النزعة التشطيرية الانفصالية، والذي أسس فرعا له بالمحافظة، ويمارس أنشطته، ولكن في مساحة قصيرة، قياسا عن وضعه في باقي المحافظات الخاضعة لسيطرة المجلس، وذلك لعدة عوامل، لعل من أبرزها وجود رغبة خارجية من الدول المتحكمة بالملف اليمني على راسها السعودية، بعدم السماح للانتقالي بالتمدد وإثارة الفوضى، بالإضافة لعدم وجود حاضنة شعبية للمجلس، واحتفاظ السكان بذكريات مؤلمة عن فترة التشطير، ويرون الانتقالي امتدادا لها، وفي نفس الوقت تحضر الأحزاب السياسية بنشاطها وفاعليتها في المهرة أيضا، ولم تتعرض لأي مظهر من مظاهر التضييق.
عودة الماضي
وثمة شيء يعكس ويبرز مظاهر الحنين للماضي، وحالة الصراع الخفيفة بين المشاريع المختلفة في المحافظة، ويتجلى في رفع علم سلطنة المهرة السابقة، التي أطيح بها في العام 1967، وبإمكانك أن تراه في أكثر من شارع، وهذه العودة والحضور ظهرت مع حالة التمزق والحرب التي يعيشها اليمن مؤخرا، وبدت كما لو أنها ردا على مطالب الانفصال التي يرفعها الانتقالي، وتعكس حالة الرفض للعودة لزمن التشطير، والاتجاه نحو الهوية الأولى للسكان في المهرة، التي يرون أنها بمثابة الخيار الأفضل في حال ذهاب اليمن نحو التشطير.
وتبدو أسواق المهرة مكتظة بالبائعين والمارة، وينحدرون من عدة محافظات يمنية، وإلى جوارهم يتواجد العديد من اللاجئين الأفارقة، الذين يعملون في مهن دنيا، لكنهم محل ترحيب من قبل السكان، نتيجة الارتباط التاريخي بين قبائل المهرة، وسكان سواحل أفريقيا، ويطلق عليهم بـ'أبناء العم'، وتغيب في المقابل الأصوات المناطقية، والنعرات الممزقة للنسيج الاجتماعي، كما هو الحال في محافظات يمنية أخرى.
وأدى الاستقرار النسبي في المحافظة لتدفق البضائع المحلية من باقي المدن اليمنية، وكذلك المنتجات الخارجية القادمة من المنافذ البرية، وخلق ذلك تغطية كافية من السلع للمستهلكين، مثلما أنعش النشاط التجاري، ووفر فرص عمل عديدة، وجعل من المحافظة مركز توزيع للسلع، ونقطة عبور أيضا نحو الخارج، خاصة في عملية الاستيراد أو التصدير الخارجي.
في الشارع لا تحمل أغلب السيارات لوحات رسمية، وجرى تركيب لوحات مرورية مؤقتة بدوافع أمنية ومالية، تتعلق بالجريمة، والحصول على إيرادات الترقيم، لكن ذلك لم يمنع من وجود عدد كبير من السيارات والمركبات بدون أرقام، وانتشار أخرى تحمل لوحات دول خارجية، بسبب قرب اليمن من جيرانه الخليجيين.
الدور السعودي
إيقاع الحياة اليومية في المهرة، يخفي في المقابل وجها آخر لحراك غير مرئي لمن يزور المحافظة، لكنه يتحكم بشكل أقوى بالمشهد العام، ويفرض تعقيدات عديدة تكاد أن تعصف بالمهرة.
فهناك الحضور الخارجي للمملكة العربية السعودية، الذي يحضر بعدة مظاهر، منها العسكري عبر القوات التابعة لها والمتمركزة في مطار الغيضة، ومنها التأثير الناعم عبر عمليات الضغط على الكثير من القيادات المحلية والقبلية، خاصة تلك التي تحمل جنسيتها، أو ما يعرف بحاملي الجوازات، ومنها أيضا عملية الاستقطاب وشراء النفوذ لشيوخ القبائل، وكذلك الحضور المباشر من خلال مزاعم تمويل مشاريع متعددة في المهرة، عبر برنامج الإعمار السعودي.
التواجد السعودي بكل هذه المظاهر يستند أيضا إلى تحكم المملكة القوي بالحكومة اليمنية الموالية لها، ما سهل عليها تمرير أجندتها في المهرة، ويفضل البعض الصمت تجاه العديد من التدخلات السعودية، حفاظا على المصالح، ودرءا للمخاطر، ورغم ذلك هناك العديد من الأصوات الفاعلة والمؤثرة التي رفعت صوتها وفعلها تجاه التواجد السعودي، وتمكنت من الوقوف أمام أجندته، وهو الدور الذي تجسد في نضال لجنة الاعتصام السلمي التي يرأسها الشيخ القبلي علي سالم الحريزي.
وتطور الدور السعودي من الحضور المباشر في المهرة، إلى وسائل أكثر خطورة، ويتجسد ذلك في خطوتين، الأولى الدعم الواسع الذي تقدمه الرياض للتيار السلفي، خاصة التابع للشيخ يحيى الحجوري، وعملية التوغل التي ينفذها أنصار هذا التيار داخل المهرة، والثاني عملية التجنيد لقوات جديدة بعيدة عن المؤسسات الرسيمة، وهي ما يعرف بقوات درع الوطن، واسناد قيادتها وتنظيمها لشخصيات من التيار السلفي نفسه.
يهدد هذا الوضع النسيج المجتمعي المتماسك في محافظة المهرة، وينذر بإحياء مظاهر الصراع المذهبي والديني، الذي لم تألفه المحافظة من قبل، ويعكس وضوح الأجندة الخارجية في عملية الإطباق على المهرة، وتحويلها لمصدر قلق للداخل والخارج، وهو ما دفع بالكثير من الأصوات المحلية للتنديد والتحذير من هذا الوضع.
تداعيات التواجد السعودي في المهرة تمتد لتشمل جوانب أخرى، تؤثر على الوضع العام في المهرة، كالحديث المستمر عن وجود عمليات تهريب في المنافذ البرية، كصرفيت، وشحن، والشيطنة المستمرة للقوى المحلية المناهضة للدور السعودي، وتهميش السلطات المحلية، والأمنية، والعسكرية، ودفع دول أخرى للحصول على مكاسب في المحافظة، كالإمارات، التي سعت للحصول على حق استثمار وتشغيل ميناء قشن، واحتكار مشاريع تعدين، بطريقة تعسفية، انتهت بالفشل.
خدمات أخرى
في صعيد آخر، وبنظرة فاحصة بات ملاحظات تأثر الوضع في المهرة بإجراءات اتخذتها الحكومة اليمنية، أدت لتراجع مستوى النشاط التجاري في المنافذ البرية للمحافظة، وكذلك في الموانئ، كميناء نشطون، وذلك بسبب استحداث السلطات المحلية في حضرموت نقاطا لدفع الجمارك لكل المواد القادمة من موانئ ومنافذ المهرة، ما يضاعف العبء المالي لرجال الأعمال، الذين يضطرون للدفع مرتين، وهو ما جعل الكثير منهم يفضل الاستيراد عبر موانئ حضرموت، خصوصا أن عملية الدفع تتكرر في أكثر من نقطة، ومن عدة جهات محلية، وهذا الحال أدى لتراجع العائدات المالية التي كانت تذهب لخزينة المحافظة.
ولعل من أبرز منغصات الوضع المعيشي في المهرة، التيار الكهربائي، والانقطاعات المستمرة، والتي ترتفع في الصيف، وتضاعف معاناة السكان، الذين لجاءوا لبدائل، كالطاقة الشمسية والمولدات الخاصة، والوضع نفسه مع المشتقات النفطية التي قد تختفي أحيانا، وتتسبب بأزمات من وقت لآخر.
والمتجول في شوارع المحافظة يشاهد بوضوح نسبا عالية من المتسولين، من مختلف الفئات العمرية، وينحدرون من مدن أخرى، وهي ظاهرة اجتماعية، باتت مألوفة في أغلب المدن اليمنية، وارتفعت نسبتها مع تدهور الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وتراجع قيمة الريال اليمني.
وثمة مظاهر ستراها ملفتة عند التجول في المهرة، وجاءت امتدادا لنفس الوضع في باقي المدن المجاورة، كانتشار محلات الصرافة، والتعامل بالعملات الخارجية أكثر من المحلية، وعمليات الارتفاع الكبيرة لأسعار السلع الأساسية.
أما القات فيعد أكبر نشاط تجاري في المهرة، وتستورد المحافظة منه يوميا كميات كبيرة، وبأسعار متفاوتة، وتصل قيمته اليومية للاستهلاك إلى أرقام مالية باهظة، ويتم جلبه من عدة مدن يمنية، وبات جزءا أساسيا من الحياة اليومية، رغم أن المهرة في سنوات ماضية لم تكن تستهلك تلك الكميات، مثلما كان السكان يترفعون عنه، ويعتبرونه غير لائق.