اخبار اليمن
موقع كل يوم -صحيفة ٤ مايو الالكترونية
نشر بتاريخ: ٤ حزيران ٢٠٢٥
4 مايو / تقرير: مريم بارحمة
بينما يستعد المسلمون حول العالم لاستقبال عيد الأضحى المبارك بفرحة وأمل، يعيش أهالي العاصمة عدن ومحافظات الجنوب معاناة مركّبة حولت العيد إلى مناسبة حزينة تثقلها الأزمات المعيشية، وأبرزها الارتفاع الجنوني في أسعار الملابس والأضاحي، والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي في ظل صيف لاهب، مما دفع كثيرًا من المواطنين إلى بيع ممتلكاتهم أو الاستدانة من أجل شراء منظومات طاقة شمسية أو مولدات كهربائية بسيطة، فقط لتأمين الحد الأدنى من الراحة لأسرهم.
-الأسواق مشتعلة.. أسعار لا ترحم
مع اقتراب عيد الأضحى، تشهد الأسواق الجنوبية حالة غير مسبوقة من الغلاء، حيث تجاوزت أسعار الملابس حدود المعقول، ولم تعد في متناول شريحة واسعة من المواطنين. الملابس التي كانت قبل سنوات تُشترى بثمن مقبول، أصبحت اليوم تساوي أضعاف دخل المواطن اليومي. كما ارتفعت أسعار الأضاحي بنسب فلكية وصلت إلى أكثر من 200% مقارنة بالعام الماضي، ما جعل من الأضحية حلمًا بعيد المنال لكثير من الأسر.
العديد من الأهالي أعربوا عن ألمهم لاضطرارهم لحرمان أطفالهم من شراء ملابس العيد، مؤكدين أن الفرح لم يعد متاحًا للجميع، بل بات حكرًا على من يستطيع الدفع. البعض اكتفى بإخراج ملابس قديمة وغسلها لتبدو 'جديدة'، في مشهد مؤلم يعكس مستوى التدهور المعيشي.
-الكهرباء.. معاناة لا تنتهي في صيف حارق
كأن الغلاء وحده لا يكفي، حتى جاءت أزمة الكهرباء لتكمل معاناة الجنوبيين. الانقطاعات المستمرة التي تمتد لساعات طويلة، في ظل درجات حرارة خانقة ورطوبة مرتفعة، جعلت الحياة شبه مستحيلة، خصوصًا في العاصمة عدن وبعض محافظات الجنوب. كثير من الأسر باتت تقضي ساعات الليل في العراء أو على أسطح المنازل هربًا من حرارة الغرف المغلقة.
هذه الظروف دفعت بعض المواطنين إلى التفكير بشراء منظومات طاقة شمسية أو مولدات كهربائية، رغم كلفتها المرتفعة. ولأجل ذلك، لجأ البعض إلى الاستدانة، أو بيع مجوهرات نسائهم، أو التفريط بممتلكات ثمينة كانوا يحتفظون بها كضمان لمستقبل أبنائهم. كل ذلك فقط من أجل إنارة بسيطة أو مروحة تخفف حرارة الليل.
-منظومات الطاقة الشمسية.. ملاذ أخير رغم كلفتها
في ظل الانقطاع الحاد للكهرباء، ازداد الإقبال على شراء منظومات الطاقة الشمسية. لكن هذه الحلول البديلة ليست في متناول الجميع، إذ تصل أسعار بعضها إلى أرقام تفوق القدرة الشرائية لمعظم الأسر. ومع ذلك، يضطر البعض إلى شرائها بالدين أو بالتقسيط، مقابل راحة مؤقتة أو إنارة بسيطة تسهل حياتهم اليومية.
ما يزيد الوضع سوءًا هو غياب الرقابة على هذه السوق، إذ يتلاعب بعض التجار بالأسعار، ويعرضون منتجات رديئة بأسعار باهظة، مستغلين حاجة الناس وعجزهم عن اللجوء لأي بديل آخر.
-أطفال بلا عيد.. وحزن يسكن البيوت
وسط هذه التحديات، يأتي العيد بلا ملامحه المعتادة. لا ملابس جديدة، ولا ألعاب، ولا أضاحي. الأطفال ينظرون إلى غيرهم في الأسواق، ويتساءلون عن حقهم في الفرح، فيما تحاول الأسر أن تخفي خيبتها خلف ابتسامات مصطنعة، لتمنع الحزن من التسلل إلى قلوب صغارها.
الأسواق لم تعد تعج بالفرح، بل بالمارة الذين يكتفون بالمشاهدة دون شراء. وفي كثير من الأحياء، غابت مظاهر الزينة والاحتفال، وحلّت محلها مشاهد الحيرة والوجوم. البعض سيكتفى بصلاة العيد، ثم سوف يعود إلى منزله يواجه يوماً عادياً ثقيلاً بلا فرحة.
-المجلس الانتقالي الجنوبي... يدٌ تمتد في زمن القهر
في ظل هذا الواقع الصعب، برز دور المجلس الانتقالي الجنوبي في محاولة للتخفيف من معاناة المواطنين. فقد نفذ المجلس، عبر هيئاته المحلية ومنظماته المجتمعية، حملة إنسانية موسعة لتوزيع لحوم الأضاحي على آلاف الأسر الفقيرة في مختلف محافظات الجنوب، مركّزًا على الأيتام، الأرامل، والأسر ذات الدخل المحدود. هذه الخطوة لاقت ترحيبًا واسعًا واعترافًا صريحًا من المواطنين بدور المجلس في التخفيف من المعاناة، لا سيما في ظل تقاعس الجهات الرسمية المعنية عن أداء واجبها تجاه المواطنين. وقد رأى كثيرون أن هذه المبادرات تعكس وعيًا إنسانيًا واستشعارًا بالمسؤولية وأعادة شيء من الأمل والكرامة لأسر كانت عاجزة عن توفير أدنى متطلبات العيد. وفي الوقت الذي غابت فيه معظم الجهات الرسمية، تولى المجلس الانتقالي الجنوبي زمام المبادرة، ليقدم نموذجًا إنسانيًا يستحق الإشادة.
أحد المواطنين قال إن أبناءه شعروا بالعيد حين وصلتهم لحوم الأضاحي، مشيرًا إلى أن مثل هذه المبادرات لا تُنسى، لأنها تلامس احتياجات الناس في اللحظة التي يكونون فيها بأمسّ الحاجة للعون.
-الجنوب بين نار الفقر ولهيب الإهمال
تعكس هذه الأزمة المتعددة الأبعاد فشلًا واضحًا في إدارة الملفين الاقتصادي والخدمي، حيث لم تبادر أي من الحكومات المتعاقبة إلى وضع حلول جذرية لمعاناة الناس. يعيش المواطن الجنوبي بين نار الأسعار ولهيب الكهرباء، ولا يجد من ينقذه أو حتى يواسيه.
الناس في الجنوب لم يعودوا يطالبون بالكماليات، بل بأبسط حقوقهم: كهرباء مستقرة، ومياه متوفرة، وغذاء، وصحة وتعليم، وأسعار معقولة، وكرامة لا تُهان. ومع ذلك، فإن هذه الحقوق لا تزال بعيدة المنال، ما يجعل من المناسبات الدينية – كعيد الأضحى – مناسبات للأنين بدلًا من الفرح.
-جرعة أمل رغم الألم
رغم هذه التحديات المؤلمة، يواصل أبناء الجنوب تقديم نموذج نادر من التماسك والصبر والتكافل. فبينما انعدمت الحلول من فوق، اشتعلت من تحت مبادرات شبابية ومجتمعية توزّع الماء والثلج مجانًا، وتساعد الأسر في صيانة أدواتهم الكهربائية، وتوزيع ملابس العيد، ولحمة الأضاحي، وتنظم جلسات ترفيهية بسيطة للأطفال.
شعب الجنوب الذي تعوّد على مواجهة الأزمات، يثبت من جديد أنه لن ينكسر بسهولة، وأنه قادر على تحويل المحن إلى فرص لتأكيد إنسانيته وصلابته. والرسالة التي بعثها أبناء الجنوب عبر سلوكهم في هذا العيد، هي أنهم – برغم الإهمال والخذلان – ما زالوا قادرين على البقاء متماسكين، مترابطين، مؤمنين بأن الجنوب يستحق الأفضل، وأنهم هم حماة كرامته.
-صبر الجنوب طويل... لكن إلى متى؟
يظل الجنوب نموذجًا في الصبر والتكافل، لكن الصبر أيضًا له حدود. ومع كل عيد تمرّ فيه هذه الأزمات دون حل، تتراكم مشاعر الغضب والسخط، ما يهدد بموجة من الاحتجاجات أو الانفجار الاجتماعي.
لذلك، لا بد من تحرك سريع وشجاع من الجهات المعنية لوضع حد لهذا التدهور. كما أن دعم المبادرات الإنسانية، كتلك التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي، يجب أن يتوسع ويستمر، ليس فقط في الأعياد، بل كجزء من رؤية شاملة لبناء جنوب قوي، عادل، وكريم.
وحتى يحين ذلك، سيظل أبناء الجنوب يحاولون صناعة الفرح من الرماد، وحماية كرامتهم في وجه العاصفة، مؤمنين أن مستقبلًا أفضل قادم، مهما طال الانتظار.