اخبار الاردن
موقع كل يوم -زاد الاردن الاخباري
نشر بتاريخ: ٢٣ حزيران ٢٠٢٥
زاد الاردن الاخباري -
صايل عبد السلام سالم - لا يختلف اثنان في أن لواء البترا يُعدّ من أهم المعالم السياحية على خارطة السياحة الأردنية، بل ومن أهم المواقع الأثرية والسياحية على مستوى العالم، إذ صُنفت المدينة الوردية كواحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة ، وعليه فقد شكلت الحركة السياحية رافعة اقتصادية أساسية للواء، ورافداً مهماً للتنمية المحلية، فانحسرت التنمية فيه وتقوقعت عليه ، واكتفت به، متجاهلة أن الاعتماد المطلق على قطاع السياحة، ودون تطوير روافد موازية، يجعل المنطقة رهينة التقلبات الإقليمية والعالمية، وقد أوقعت هذه المعادلة الإدارات المتعاقبة على سلطة إقليم البترا في اختبارات مكرورة، لم تنجح أكثرها في اجتياز عتبتها بنجاح.
منذ تبلورِ مشروعِ المنتج السياحي وتناقلِ ملفِ إدارته تحت مسميات مختلفة، من إدارة البلديات إلى المفوضية ، ثم سلطة إقليم البترا التنموي السياحي، توالت إدارات عديدة، منها من استطاع أن يضع لبنات تطوير حقيقية ، وأسس بنيانَه التطويري وفق رؤية تُحسب له بغض النظر عن مدى تحققِ الإنجاز فيها ؛ إذ إن غالبية الإخفاقات التي تتعرض لها المشاريع والأفكار الريادية في الدولة لا تكون إلا بسبب قصر عمر الإدارة صاحبة الرؤية ، وإخفاق الوريث في التعاطي معها، فقدمت بعض الإدارات نماذج يُعتد بها في الإدارة المحلية، ولها واجب الشكر على ما قدمت وأخرت ، وفي الناحية الأخرى إدارات شكلت عبئًا إداريًا وماليًا وفنيًا على المنطقة، حتى بدا وكأن وجودها لا يتجاوز ملء المقاعد الإدارية ، ولم تسعفها أفكارُها وقدراتُها على العطاء إلا بالمناورة في حدود الزيارات التفقدية التقليدية ، والاستقبالات الشكلية ، والبروتوكولات التي تُدرَجُ زورًا تحت عنوان “الإنجاز”.
وفي كل مرة يُطرح فيها سؤال الأداء والمحاسبة، تتذرعُ بعض تلك الإدارات بالأزمات الإقليمية، وتراجع أعداد السياح الأجانب... وإن كانت حجةَ من لا حجة له أن تعكس جزءاً من الواقع، إلا إنها لا تبرر مطلقا غيابَ الحلول الابتكارية ،أو شحَّ المبادرات النوعية، فالإدارات الناجحة هي التي تستثمر في الظروف الصعبة ، وتحول المحن إلى منح ما أمكن، ولا تركن إلى عذرٍ في علة ، تبتكرُ الحلولَ ، وتستثمر في الواقع كيفما كان ، ولا يثنيها تغيُّرُه مفاجأة أو اعتيادا عن إعمالِ الفكر، بينما الإدارة التي تنتظر الظروف المناسبة وترهن قدراتها بها لتنجح، ليست بمناسبة الظروف بجديرة!!
إنّ استمرار التلويحِ بورقة الأزمات لا يمكن أن يظل سلاحًا دفاعيًا في وجه النقد البنّاء، ولا يُعقل أن يبقى مصير أكثر من خمسين ألف مواطن في لواء البترا مرهونًا بأزمات عابرة، وبتذبذبات الحركة السياحية، في حين تتوفر فرص تنموية متعددة — زراعية وصناعية وتدريبية ومجتمعية — يمكن أن تفتح آفاقاً جديدة للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
ثم إنَّ السياحة العربية والخليجية، بل والسياحة الداخلية للمغتربين، لم تتأثر كما السياحة الأجنبية، ومع ذلك لم نرَ استراتيجيات فاعلة تستقطب هذه الشريحة من الزوار، ولم نرَ برامج تسويقية جاذبة لهم..!!
قبل بضع سنوات نشر أحدُ الزوار الخليجيين فيديو عبر جواله الخاص مدته دقائق معدودة، تسبب في توافد عشرات الآلاف من الزوار الخليجيين إلى الأردن، ونشأت بسبب مقطعه المتواضع هذا فرصٌ استثمارية في شمال المملكة ما زالت تتوسع حتى اللحظة .!!
لا أظن أن هذا الجهد تجاوزت كلفته دريهمات معدودة، وفي المقابل لم تحقق مئات الآلاف التي تُنفق في الترويج والضيافات والتكريمات ربما معشار ما حققته كلمات عفوية من جوال متواضع وفي تطبيق مُستهلك!!
إنَّ لواء البترا منطقة ذات خصوصية اجتماعية، وبنية عشائرية متينة تعتبر رافدًا لأذرعة الأمن في المنطقة، وهذه البنية الأمنية هي قنديل العملية السياحية والتنموية برمتها ؛ وقد تمخض عن انحسار النظرة التنموية في قطاع أوحد رغم تذبذبه ، بروزُ ظاهرة تكاد تكون خصوصية في البتراء وما حولها، وهي ظاهرة العوزِ المفاجئ، والبطالة المفاجئة إضافة إلى البطالة الراكدة ، والتي بدورها توسع مساحة الفقر، وتُرهق المؤسسات الرسمية والعامة من غير صاحبة القرار بتحمل تبعات لا يد ولا قبل لهم بها، وقد يدفع الفقر والبطالة بعض الشباب إلى سلوكات يصعب التنبؤ بآثارها ، تنعكس على البيئة المستقرة الحاضنة للنشاط السياحي برمته .
ويُضاف ذلك أيضا نوعية بعض الحلول المتخذة عند بعض الإدارات، والتي قد تكون لفئة دون أخرى، فتزيد الهوّة بين المُستفيدين والمتضررين، وتُرسخ الفئوية وتجعل للمتنفعين يدا تطال الأثر والمنفعة كلها وتستأثرُ بها، مما يزيد الفجوة بين القوى التي تتجاذب المنافع أو تسعى إليها في اللواء.
وعليه فلا يكفي أن تُمنح الإدارات في أي مكان من جسد الدولة الثقة المطلقة لترجمة الصلاحيات بلا رقابة ومساءلة مستمرة؛ ومن هنا، فإن دعوة صادقة تُوَجَّه إلى الحكومة وأجهزتها الرقابية بأن تضع هذه الإدارات ومثيلاتها تحت مجهر التقييم الجاد، لا من باب التضييق، بل من باب الحرص على أن تكون الإدارة أداة للتنمية لا عبئًا عليها وعلى موازنة الدولة والمجتمع المحلي معًا ؛ فالإدارة ليست ترفًا، بل مسؤولية لمثل هكذا بيئة وسكان، والنجاح مقياسُه ما يتكلم به الواقع، وكمّ الإنجازات النوعية، والقدرة على تحويل الأزمات إلى فرص، واستثمار التحديات في بناء منظومة مستدامة لا تخضع للتقلبات العابرة.
صايل خليفات