اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ١٢ أب ٢٠٢٥
صنعاء (الجمهورية اليمنية) - بفعل الأمطار الموسمية الغزيرة تتعرض العاصمة اليمنية صنعاء لتهديد وجودي ينذر بانهيار أحد أقدم نماذج العمارة الطينية في العالم، وهي المدينة المدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة 'يونسكو' للتراث العالمي.
المدينة (شمال) التي تغنى بها أبرز شعراء اليمن واعتبروها مهدا للجمال والحضارة، باتت مهددة بأن تكون أطلالا يقف عليها الشعراء أنفسهم لرثائها أمام تصاعد التحذيرات بانهيار أغلب معالمها التراثية، جراء هشاشة الأبنية وقسوة الأمطار.
وتتميز صنعاء القديمة بطراز معماري غني بالزخارف في أشكال مختلفة، مثل الأسوار والمساجد والحمامات والأسواق والمدارس، ويعود تاريخ بنائها إلى القرن الأول الميلادي.
ومع استمرار الأمطار الغزيرة منذ أسابيع، تواجه مئات المنازل التاريخية المبنية من الطين مخاطر جسيمة، دفعت الجهات المختصة إلى سباق مع الزمن، لإنقاذ تراث البلاد، بتنفيذ حملة ترميم طارئة للمباني المتضررة من السيول.
وتضم المدينة أكثر من 6 آلاف منزل طيني، يصل ارتفاع بعضها إلى 6 طوابق، وجميعها يعود تاريخها إلى 2500 عام.
** مشروع دعم
ومؤخراً، أُطلق مشروع بدعم من سلطات أمانة العاصمة صنعاء وصندوق النظافة ووزارة الأشغال (التابعة لجماعة الحوثي)، لإنقاذ عدد من المنازل التاريخية من الانهيار.
وتشمل عملية الترميم الطارئة أكثر من 100 منزل تهدم بعضها كليا وبعضها جزئيا، فيما تعرّض طابع بعضها التاريخي لأضرار جسيمة، بسبب الأمطار الشديدة والفيضانات، حسب تقارير محلية.
ويتم تحديد المباني المستهدفة بالترميم من خلال لجنة تقييم، وبمعايير تتعلق بمدى الأضرار، والحالة الاقتصادية لمالك المنزل، وأيضاً القيمة التاريخية للمنزل.
وتُعدّ التغيرات المناخية تحدياً إضافياً يفاقم معاناة اليمن الذي دمرت الحرب إمكاناته في مواجهة هذه التحديات التي أضرت بجوانب عدة، وتهدد تلك المدن والمعالم التي تمثل جزءًا من الذاكرة الثقافية الإنسانية.
** انهيار عشرات المنازل
الباحث اليمني خالد الصايدي يرى أن الأمطار باتت مصدر قلق وخوف لسكان المدينة، بدلا من أن تكون مصدر طمأنينة، مشيرا إلى هشاشة الواقع المعماري بالمدينة.
ويقول في حديثه للأناضول إن 'مدينة صنعاء القديمة تواجه مخاطر متزايدة من الانهيارات المعمارية مع كل موسم أمطار، بعدما تحوّلت هذه الأمطار من نعمة إلى أداة تهديد حقيقية لسكان المنازل العريقة والأثرية'.
ويضيف: 'بدلاً من أن تمنح الأمطار الطمأنينة لسكان صنعاء القديمة، باتت تبثّ فيهم الخوف من سقوط الأسقف فوق رؤوسهم، خاصة وأن هذه المنازل لم تعد قادرة على الصمود أمام جولات أخرى من غزارة الأمطار'.
وبشأن الفترات السابقة، يشير الصايدي إلى أن 'المدينة تعرضت لأضرار بالغة جراء الأمطار الغزيرة خصوصا في فصل الخريف، حيث انهارت عشرات المباني جزئياً وبعضها كلياً، فيما أصيبت مبانٍ أخرى بتشققات وتلف بنيوي واضح'.
وكشفت الأمطار، وفق الباحث اليمني 'هشاشة الواقع المعماري بالمدينة، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى طبيعة البناء التقليدي المعتمد على مواد مثل الطين والجص، ما يجعل المباني عرضة للتآكل والانهيار عند التعرض المستمر للمطر'.
ورغم ترميم بعض المنازل في صنعاء القديمة، إلا أن العديد منها ما زالت بحاجة إلى تدخل لإنقاذها، وفي هذا السياق يقول الصايدي إن 'المنازل التي تعرضت لأضرار ولم يتم ترميمها، انتهى بها الحال إلى الانهيار في مواسم لاحقة'.
ويكشف أن 'غياب الصيانة والدعم ساهم في تراكم الأضرار على مرّ السنوات، بدءًا من التشققات السطحية للمنازل، والتي ساهمت فيها أيضاً انفجارات الصواريخ والغارات القريبة، ووصولاً إلى الانهيارات الكلية أو الجزئية'.
ويذكر أن المدينة وأسواقها كانت قبلة للسياح من مختلف دول العالم، غير أن الوضع الأمني غير المستقر أثر بوضوح على حجم السياحة، جراء المخاطر الأمنية.
** انعدام الخطط
وفيما يتعلق بالتدخلات الدولية، مثل جهود اليونسكو فقد 'اقتصرت على حلول مؤقتة، كاستخدام الأغلفة لتغطية الأسطح خلال موسم الأمطار، دون تنفيذ مشاريع شاملة لترميم كافة المباني المتضررة'، حسب الصايدي.
ويوضح أن 'الدور الأممي اقتصر على ترميم جزء بسيط من المنازل، في حين تشير إحصائيات محلية إلى أن عدد المباني المتضررة تجاوز 500 منزل خلال العام الماضي (2024)'.
أما على المستوى الرسمي، فيرى الصايدي أن هناك 'غيابا واضحا في ترميم المدينة، وانعداماً للخطط الفعلية لمواجهة الطوارئ، رغم أن صنعاء القديمة مدرجة منذ سنوات ضمن قائمة التراث العالمي، وهو ما كان يستدعي اهتماما أكبر وجهودا حقيقية للحفاظ على هذا الإرث الحضاري العريق'.
كما يوصى بـ'إنشاء صندوق دعم خاص بالمدن التاريخية والأثرية، وفي مقدمتها صنعاء القديمة، بحيث يمكن تمويل هذا الصندوق عبر استقطاع نسبة رمزية من بعض المبيعات والخدمات، ليتولى تمويل مشاريع الترميم والصيانة الدورية'.
ويدعو الباحث اليمني إلى 'معالجة مكامن الخلل العمراني، ومواجهة الأخطار الموسمية، والحفاظ على الطابع المعماري والهوية الثقافية للمدينة'.
ويعاني اليمن ضعفاً شديداً في البنية التحتية، ما جعل تأثيرات السيول تزيد مأساة المواطنين الذين يشتكون هشاشة الخدمات الأساسية جراء تداعيات الحرب المستمرة بين القوات التابعة للحكومة وجماعة الحوثي.
ومنذ أبريل/ نيسان 2022 يشهد اليمن تهدئة لحرب بدأت في العام 2014 بين القوات الموالية للحكومة وجماعة الحوثي المسيطرة على محافظات ومدن بينها العاصمة صنعاء منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.