اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٣١ كانون الأول ٢٠٢٥
الرياض - محمد الحيدر
لم تعد المملكة تراقب الصراع العالمي بين القوى العظمى على الرقائق الإلكترونية من مقاعد المتفرجين، بل دخلت حلبة المنافسة ببراعة منقطعة النظير، في هذا العالم الذي تبلغ فيه قيمة سوق أشباه الموصلات أكثر من 600 مليار دولار،ويتجه نحو التريليون دولار قريباً، فقد أدركت المملكة أن الرقائق هي 'نفط القرن الحادي والعشرين'.
إن التكالب العالمي ليس مجرد سباق تجاري، بل هو صراع على 'السيادة الوطنية'، فالدولة التي لا تملك رقائقها لا تملك قرارها الرقمي، ومن هنا، جاء التدخل السعودي عبر 'المركز الوطني لأشباه الموصلات' ومبادرة 'آلات' ليكون الرد الحاسم؛ حيث تبني المملكة الآن قاعدتها لتكون المركز اللوجستي والتصنيعي الأول في المنطقة لهذه العقول الإلكترونية، مستغلة موقعها الجغرافي واستقرارها المالي لتكون الملاذ الآمن لسلاسل الإمداد العالمية.
الأثر الشامل. الرقائق كعماد للحياة المعاصرة
تتجاوز أهمية الرقائق الإلكترونية حدود أجهزة الحاسوب، فهي اليوم 'الجهاز العصبي' لكل القطاعات الحيوية في المملكة:
• قطاع الصحة: الرقائق السعودية المصممة بدقة تدير اليوم أحدث الروبوتات الجراحية وأجهزة الرنين المغناطيسي فائقة الدقة، فالرقمنة الصحية تعتمد كلياً على سرعة معالجة البيانات، والسيادة في هذا المجال تعني جودة حياة أفضل للمواطن السعودي.
• قطاع التعليم: التحول نحو التعليم الذكي والجامعات البحثية المتقدمة يرتكز على خوادم ومعالجات محلية الصنع، تؤمن بيانات الطلاب وتوفر بيئات تعلم افتراضية لا تعتمد على السحابة الخارجية، مما يعزز الاستقلال المعرفي.
• قطاع السياحة والمدن الذكية: في مشاريع مثل 'نيوم' و'ذا لاين'، الرقائق هي التي تدير أنظمة النقل ذاتي القيادة، وتوزع الطاقة المتجددة بذكاء، وتوفر تجربة سياحية رقمية فريدة. المملكة لا تبني جدرانًا، بل تبني 'مدنًا مفكرة' تعتمد على آلاف الملايين من الترانزستورات الدقيقة.
براعة التوطين.. من التصميم إلى التصدير
تنتهج المملكة استراتيجية 'التوطين العميق'؛ فنحن لا نكتفي باستيراد المصانع، بل نوطن 'المعرفة التصميمية'، فالاستثمار في الكوادر الوطنية الشابة من المهندسين في مجالات هندسة الحاسب والفيزياء الدقيقة هو الرهان الحقيقي، إذ تستهدف المملكة أن تكون المصدر الأول في المنطقة للرقائق المتخصصة في 'تطبيقات الذكاء الاصطناعي'، وهو النوع الأكثر تعقيداً وطلباً في العالم.
هذا التوجه يرفع القيمة المضافة للاقتصاد الوطني بشكل هائل، فكيلو غرام واحد من الرقائق الإلكترونية يفوق في قيمته المادية مئات الأطنان من المواد الخام التقليدية. هذه هي البراعة السعودية في تحويل المورد البشري والتقني إلى 'ثروة عابرة للحدود'.
الريادة العالمية.. المملكة كلاعب ثالث في التوازن الرقمي
في ظل الانقسام العالمي بين الشرق والغرب، برزت المملكة كـ 'لاعب ثالث موثوق' يملك الموارد والطاقة والذكاء الاستراتيجي، فالشركات العالمية الكبرى في تايوان والولايات المتحدة باتت ترى في المملكة الشريك الأنسب لبناء المصانع العملاقة (Fabs) بعيداً عن مناطق التوترات الجيوسياسية.
تمنح هذه الريادة المملكة نفوذاً عالمياً غير مسبوق؛ فالعالم الذي يحتاج إلى 'الرقائق' سيتجه نحو الرياض لضمان استمرارية صناعاته. إنها قصة نجاح تتجاوز الأرقام، لترسم ملامح المملكة كقوة تقنية عظمى، تصنع عقول المستقبل وتصدر الابتكار للعالم بجودة 'سعودية' تفوق التوقعات.










































