كلما اقترب موعد معرض الكتاب، أشعر أن المدينة تستعد لعرسٍ ثقافي تنتعش فيه الأرواح قبل العقول. هناك حيث تتناثر الكتب كنجومٍ مضيئة، وتتنفس الصفحات عبق الحبر، ويغدو القارئ مسافراً بلا تذكرة، يحمل حقيبته المليئة بالأحلام والأسئلة.

معرض الكتاب ليس مجرد رفوفٍ تمتلئ بالعناوين، بل هو موكبٌ من الجمال، وميدانٌ يلتقي فيه الماضي بالحاضر، والكاتب بقارئه، والخيال بالواقع. إنه مساحة تمنحنا يقينًا أن الثقافة لا تشيخ، وأن الكلمة الصادقة قادرة على أن تبني جسورًا من نور بين القلوب.

كل كتاب هناك يشبه نافذة، يفتحها القارئ ليرى عوالم جديدة، ويجد نفسه بين الحروف أكثر مما يجدها في المرآة. وما أجمل أن نجتمع في ذلك العرس الثقافي، نلتقط لحظات تبقى، ونحمل معنا رائحة الورق، وصدى الكلمة، ودهشة الاكتشاف.

وهناك، وسط صخب الخطوات وهدير الحوارات، ينكشف لنا أن المعرض ليس فقط ملتقى للكُتب، بل مرآة لروح المدينة نفسها. في أروقته تتجاور اللغات كأطياف متآلفة، ويعانق صوت الشعر أنغام الفكر، وتتشابك الأجيال في حوارٍ يختصر المسافة بين خبرة الحكيم وفضول الناشئ. إنه فضاء يذكّرنا أن الثقافة ليست ترفاً، بل ضرورة تنسج بها الأمم هويتها، وتثبت حضورها في الزمن، لتبقى الكلمة الحية أقوى من الصمت وأبقى من النسيان.