إنّ نشر الثقافة القانونية ليس عملاً ثانوياً ولا جهداً تكميلياً يقدّمه القانونيون للمجتمع، بل هو واجب مهني وأخلاقي تتوقف عليه استقامة الحياة العامة. فالقانون لا يؤدي وظيفته الحقيقية ما لم يُدرك الناسُ مضامينه، ويعرفوا حقوقهم وواجباتهم، ويفهموا الإجراءات والطرق التي تحميهم من الظلم والانتهاك.

فالوعي القانوني ليس رفاهية، بل هو ضمانةٌ للحقوق، ودرعٌ للعدالة، وبوابةٌ لمجتمع مستقرّ. وحين ينتشر الجهل بالنصوص والحقوق، يزداد الظلم، وتتضاعف النزاعات، وتضيع الحقوق بين سوء الفهم وسوء التطبيق.

إنّ نشر الثقافة القانونية يرفع الجهل عن الناس، ويمنع الظلم، ويُبصّر المظلومين بطرق الانتصاف، وهو ليس ترفاً معرفياً، بل واجب أخلاقي ومهني على كل قانوني، قاضٍ كان أو محامٍ أو باحثاً.. فالمجتمع لا ينهض إلا بالوعي، والحقوق لا تُصان إلا بالمعرفة، والعدالة لا تكتمل إلا حين يعرف الناس ما لهم وما عليهم.

إنّ نشر الثقافة القانونية ليس مجرد واجب أخلاقي ومهني على القانونيين، بل هو ضرورة حيوية لبناء مجتمع عادل ومستقر. عندما يعرف الناس حقوقهم وواجباتهم، يصبحون أكثر قدرة على حماية أنفسهم ومجتمعاتهم من الظلم والاستغلال.

كيف يمكن للقانونيين الإسهام في نشر الوعي؟

١- توظيف المنصّات الرقمية ووسائل التواصل لنشر الوعي القانوني :

➖➖➖➖

إنّ مساهمتك القانونية بكلمة، أو منشور مبسّط أو مقطع قصير أو توضيح قانوني بلغة سهلة، أو مقال، أو محاضرة، أو توضيح قانوني بلغة سهلة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ قد ترفع ظلماً، أو تمنع تعدياً، أو ينقذ حقاً، أو يعالج نزاعاً، أو أو يُرشد شخصاً تائهاً في دهاليز الإجراءات إلى الحق، ويكتب اللَّه لك أجره إلى يوم الدين.

إنّ كلمة صادقة تصل لملايين قد تفعل ما لا تفعله محاضرات طويلة.

٢- نشر محتوى قانوني متنوع :

يتم نشر المعلومات القانونية من خلال:

· مقالات قانونية مبسطة.

· منشورات توضح الحقوق والواجبات القانونية.

· فيديوهات تعليمية.

· رسومات إنفوجرافيك.

· شرح القوانين الجديدة أو المعدلة.

إنّ تبسيط الإجراءات القضائية والإدارية بهذه الأدوات يصبح القانون قريباً من الناس، لا نصاً جامداً في صفحات الكتب.

٣- تقديم الاستشارات المجانية :

قدم استشارات مجانية أو بأسعار رمزية لفئات المجتمع الأضعف للمحتاجين.. ليحقق رسالة العدالة ورسالة القانوني كراعٍ للحقوق.

٤- تقديم العون القضائي للفقراء و المعسرين:

قدم المساعدة القانونية للفقراء والمعسرين.. حيث يشمل العون القضائي حالياً في اليمن للسجناء فقط، لهذا يجب أَنْ يشمل لجميع الفقراء والمعسرين، حيث تُعتبر قضاء حوائج المسلمين من أعظم أبواب الخير، و لها أجر عظيم عند اللَّهَ.

٥- المشاركة في الندوات والورش القانونية :

شارك في الندوات والمحاضرات والورش العمل التي تعزز الوعي القانوني.

إنّ الحضور والمشاركة والتدريب في الفعاليات القانونية يرفع الوعي ويخلق جيلاً جديداً مدركاً لأهمية سيادة القانون.

٦- مناقشة القضايا العامة وتبسيطها للناس :

ناقش القضايا القانونية المهمة في مجتمعك، وساهم في توعية الناس بها، فالسكوت عن القضايا التي تمس المجتمع يُبقي الجهل قائماً، وعندما يشرح القانوني الأمور بلغة يفهمها الجميع، فإنه يصنع جسراً بين القانون والناس.

نتائج نشر الوعي القانوني

١- يمنع الظلم قبل وقوعه :

الإنسان الواعي بحقوقه أقل عرضة للاستغلال، وأكثر قدرة على مواجهة المخالفات والانتهاكات، وعندما يعرف الناس حقوقهم، يصبحون أقل عرضة للظلم والاستغلال.

٢- يحمي الحقوق ويعزز ثقافة المطالبة بها :

المعرفة القانونية تمنح الفرد الثقة والقدرة على استخدام الوسائل المشروعة للإنصاف، وتمكن الناس من حماية حقوقهم ومطالبة بها.

٣- يعزز دور القضاء ويخفف النزاعات :

إنّ نشر الوعي القانوني يساهم في بناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة، كلما زاد وعي الناس بالقانون، قلّ عدد القضايا، وازدادت القدرة على حلّ الخلافات بطرق ودّية أو إجرائية صحيحة.

٤- يرفع مستوى المسؤولية المجتمعية :

المواطن القانوني الواعي شريكٌ فاعل في حماية السلم الاجتماعي وسيادة القانون.

إنّ الثقافة القانونية تمثل حماية ذاتية للمجتمع، والمجتمع الواعي أقل عرضة للجرائم والاحتيالات والنزاعات.

إنّ نشر الوعي يعزز الثقة بالمنظومة العدلية، فكلما شعر الناس أَنَّ القانون مفهوم وواضح ومتيسر، زادت ثقتهم في القضاء ومؤسسات الدولة.

إنّ الوعي القانوني يخلق توازناً بين الحقوق والواجبات، فلا عدالة بلا التزام، ولا التزام بلا معرفة.

خاتمة

مسؤوليتنا… ودورنا تجاه العدالة

إنّ القانون بلا ثقافة نصٌّ صامت،

والثقافة بلا وعي فكرٌ معطّل،

أما الوعي القانوني فهو الحياة التي تُضيء طريق العدالة.

فلنعمل جميعاً -قضاةً ومحامين ومستشارين، وباحثين، ودارسين القانون- على نشر الوعي القانوني، لنبني مجتمعاً أكثر عدلاً وازدهاراً.. وندعم بناء مجتمع يعرف حقوقه ويدرك واجباته، فلا يضيع فيه حق، ولا يُظلم فيه مظلوم، وتُصان فيه العدالة التي هي أساس الحكم ورأس مال الإنسان.

١٨ نوفمبر ٢٠٢٥م

· الكاتب: القاضي أنيس صالح جمعان - عضو نيابة النقض و الإقرار في المحكمة العليا - محامي عام أول في النيابة العامة - كاتب و باحث قانوني

===========