الحملة الصليبية الأميركية: قراءة موسّعة في رؤية وزير الدفاع الامريكي لشن حرب صليبية على الإسلام! #عاجل

كتب -حلمي الأسمر

في أيار مايو 2020، نشر وزير الدفاع الأمريكي الحالي بيت هيغسيث Pete Hegseth كتابه American Crusade: Our Fight to Stay Free، 'الحملة الصليبية الأمريكية: نضالنا من أجل البقاء أحرارًا'. لم يكن مجرد سرد سياسي أو تحليل أمني، بل إعلانًا واضحًا عن رؤية وجودية لأميركا في مواجهة تهديدات داخلية وخارجية، رؤية صارت اليوم محورًا لما يخطط له وزير الدفاع الأميركي في أعلى مستويات القرار العسكري والسياسي.

هذا الكتاب لا يكتفي بوصف التهديدات؛ بل يقدّم استراتيجية رمزية، وصفها Hegseth بـ'الحملة الصليبية الأميركية'، في مواجهة من يعتبرهم أعداء الهوية الأميركية الأصلية، سواء كانوا قوى ليبرالية داخلية أو ثقافات ودول خارجية، وفي مقدمتها العالم الإسلامي.

١. التهديدات الداخلية: صراع مع الذات الأميركية

وفق Hegseth، التهديد الداخلي هو الأخطر لأنه يتآكل من قلب أميركا.

اليسار السياسي والثقافي: يُرى على أنه يسعى لتقويض القيم التقليدية، من خلال دعم التعددية، حقوق الأقليات، والسياسات الليبرالية التي يرى أنها تهدد 'الروح الأميركية'.

العولمة والتعددية الثقافية: تُقدّم على أنها أدوات لتفكيك الهوية الوطنية، وإضعاف القيم التي صاغت أميركا كقوة حضارية.

العلمانية: تُوصف بأنها تشكّل تهديدًا دينيًا وجوديًا للقيم المسيحية التي يراها Hegseth مركزية للهوية الأميركية.

Hegseth يصف هذه التهديدات الداخلية بطريقة تجعلها معركة وجودية: ليس مجرد اختلاف سياسي، بل صراع على روح الأمة الأميركية. هنا، يُستعاد خطاب الحملة الصليبية القديم بصيغة جديدة: الدفاع عن 'القداسة الداخلية' للأمة.

٢. التهديدات الخارجية: الصدام الحضاري

الجانب الخارجي في رؤية Hegseth يتناول:

الإسلام كتهديد حضاري: لا يُقصد هنا الدين بمعناه الروحي فقط، بل المشروع الحضاري والسياسي الذي يرى أنه يتحدى القيم الأميركية.

العدو الدولي المعاصر: يشمل الدول التي يرى أنها تدعم التعددية أو السياسات المناهضة لأميركا، والتي يمكن أن تُفسّر في رؤيته على أنها امتداد لـ'التهديد الحضاري'.

من هذا المنظور، كل تدخل أميركي في الشرق الأوسط أو مواجهة مع 'العالم الإسلامي' يمكن قراءته ضمن إطار صراع حضاري، وليس مجرد صراع سياسي أو أمني تقليدي.

٣. استراتيجيات الحملة الصليبية: الحلول المقترحة

Hegseth يقدم مجموعة حلول تتراوح بين الفكر والسياسة والتدخل العسكري:

1. استعادة القيم الأصلية لأميركا: وهي قيم مسيحية، وطنية، محافظة، تُشكل العمود الفقري للهوية الأميركية.

2. مواجهة الفكر المعادي داخليًا وخارجيًا: من خلال الإعلام، التربية، السياسات الداخلية، والحشد الثقافي ضد العولمة والليبرالية والإسلاموية.

3. تعزيز القوة العسكرية والدفاعية: ليس فقط لحماية المصالح، بل كأداة رمزية لفرض هيمنة القيم الأميركية على الساحة الدولية.

4. التحالفات الاستراتيجية: تفضّل الدول والشركاء الذين يلتزمون بالقيم الأميركية التقليدية، مع تجنب أو مواجهة من لا يلتزم بها.

٤. تأثير التعيين كوزير دفاع

مع تولّي Hegseth لمنصب وزير الدفاع الأميركي، تتحوّل هذه الرؤية من مجرد خطاب فكري إلى سياسة فعلية:

الأولوية للبعد الأيديولوجي: تحديد العدو والأصدقاء استنادًا إلى القيم والثقافة وليس المصالح الاقتصادية فقط.

سياسات أكثر عدوانية: في الشرق الأوسط، فلسطين والعالم الإسلامي يدخلان ضمن ما يراه Hegseth 'ساحة حرب حضارية'.

إعادة إنتاج خطاب الصراع الحضاري: بما يجعل كل خطوة دفاعية أو عسكرية أو تدخلية مبررة ضمن إطار 'الدفاع عن الهوية الأميركية'.

٥. نقد وتحليل الرؤية

أحادية الجانب: يختزل الصراع المعقد إلى صراع حضاري بين المسيحية المحافظة والإسلام/الليبرالية.

الخطاب الاستعدائي: يخلق من التهديدات الفكرية والسياسية ذريعة مستمرة لمواجهة خارجية وداخلية.

غياب المرونة التحليلية: تجاهل العوامل الاقتصادية، التاريخية، والديموغرافية.

ولكن، من الناحية التحليلية، يقدم الكتاب نموذجًا حيويًا لفهم كيفية توليف أميركا المعاصرة بين الدين والثقافة والأمن والسياسة، وكيف يمكن للأفكار أن تتحوّل إلى سياسات دفاعية واقعية.

٦. البعد العربي والإسلامي

الكتاب يعكس قدرة الغرب الحديث على إعادة صياغة خطاب الحروب الصليبية بصيغة معاصرة، حيث تصبح السياسات الخارجية للأمم الغربية مرتبطة برؤية حضارية وفكرية لأعدائها المفترضين.

يشكل هذا تحذيرًا للباحثين وصناع القرار العرب: كل خطوة أميركية في المنطقة قد تُسوَّغ وفق هذه الرؤية، مما يجعل فلسطين والعالم العربي جزءًا من ساحة صراع حضاري، وليس مجرد مصالح سياسية أو اقتصادية.

٧. خاتمة

American Crusade ليس مجرد كتاب، بل خارطة فكرية لما يمكن أن تتخذه أميركا من سياسات دفاعية وأمنية اليوم، بعد أن أصبح مؤلفه وزير الدفاع. يعرض الكتاب نموذجًا حيًا لكيفية تحويل الصراع السياسي والثقافي والديني إلى استراتيجية شاملة، حيث تُعاد صياغة 'الحملة الصليبية' بصيغة معاصرة، لتصبح أميركا محورًا لحرب حضارية ضد من تعتبرهم تهديدًا لروحها وقيمها.

إن فهم هذا الخطاب اليوم هو المفتاح لتحليل سياسات أميركا المستقبلية تجاه الشرق الأوسط، خصوصًا فلسطين، ولرصد أي تحول في طبيعة تحالفاتها أو تدخلاتها العسكرية في المنطقة.