فوز باريس سان جيرمان بدوري أبطال أوروبا على حساب الانتر، الأول من نوعه للفريق، والثاني للأندية الفرنسية عبر التاريخ، والأكبر في تاريخ النهائيات من حيث عدد الأهداف، لم يكن مجرد تتويج بلقب أوروبي، بل تجسيد لمشروع رياضي واقتصادي عمره أربعة عشر عاما، بدأ باستحواذ مؤسسة قطر للاستثمار على ملكية الفريق بمبلغ لم يتجاوز 100 مليون يورو، فاقت قيمته السوقية اليوم أربعة مليارات يورو، وسمعة عالمية من خلال استقطاب نجوم الكرة العالمية الذين كلفوا ما مجموع مليارا يورو منذ 2011، والاستثمار في المواهب الشابة بالموازاة مع الإنفاق في تجديد ملعب “بارك دي برانس”، وتشييد مركز جديد للتدريبات، والتركيز على تكوين اللاعبين، ما سمح للفريق بالسيطرة على الكرة الفرنسية.

وعلى مدى 14 عاما تمكن باريس سان جيرمان من التتويج بلقب الدوري 8 مرات، وكأس فرنسا 6 مرات، ونفس العدد في مسابقة كاس الرابطة، وبلغ نصف نهائي دوري الأبطال ثلاث مرات، وخسر النهائي مرة واحدة سنة 2020 أمام البايرن، كما أنفق 222 مليون يورو لأجل استقدام نيمار، و180 مليون يورو لأجل مبابي، و64 مليوناً مقابل ايدسون كافاني، و60 مليونا لجلب أشرف حكيمي، ودفع راتبا عاليا لميسي على مدى موسمين، وأموالا كثيرة لاستقطاب زلاتان ابراهيموفيتش وبيكهام ودي ماريا وراموس وتياغو سيلفا وفيراتي، وغيرهم من اللاعبين النجوم والمدربين الكبار الذين ساهموا في تحقيق البطولات المحلية والتسويق لعلامة باريس سان جيرمان في أوروبا وأمريكا وآسيا، وبالتالي زيادة القيمة السوقية للنادي.

باريس سان جيرمان لم يستسلم للاخفاقات المرة والمتكررة في دوري الأبطال على مدى عشر سنوات أمام البارسا والريال والسيتي والبايرن في نهائي 2020، بل انتقل من سياسة استقطاب النجوم إلى الاستثمار في المواهب الفرنسية والأجنبية على غرار ديزيريه دويه وباركولا وراموس وفيتينيا، بالاستناد على خبرة دوناروما وماركينيوس وفابين رويز وديمبيلي، فوجب عليه انتظار انتداب المدرب الإسباني لويس انريكي ورحيل الدولي الفرنسي كيليان مبابي ليصبح سيد أوروبا بعد الاطاحة بأقوى الفرق الانكليزية على غرار السيتي وليفربول وأستون فيلا وأرسنال، والإطاحة بالانتر بالموازاة مع التتويج بالدوري والكأس والكأس السوبر في انتظار كأس العالم للأندية هذا الصيف.

لن يكتفي البي اس جي بكل هذا، بل صار يملك في شخص ديمبيلي المرشح الأول لجائزة الكرة الذهبية العالمية، والمدافع أشرف حكيمي المرشح من دون منازع للتتويج بجائزة الكرة الذهبية الافريقية كأحسن لاعب في افريقيا، وديزيريه دويه كأفضل موهبة، ولويس انريكي أحسن مدرب في انتظار المزيد، خاصة وأن القادم سيكون أصعب لأن الأمر يتعلق ببداية مشوار جديد، والتتويج ليس غاية في حد ذاته بل وسيلة لتحقيق نجاحات أخرى رياضية واقتصادية وتجارية ترتقي بالنادي إلى مصاف الكبار، وبالكرة الفرنسية إلى مستوى آخر رغم أن المنتخب الفرنسي كان السباق للفوز بكأس العالم 2018 وبلوغ نهائي 2022، ومرشح للمنافسة على مونديال 2026.

مقابل تتويج البي اس جي وتألق الكرة الفرنسية، تلقى الانتر وجماهيره صدمة كبيرة، كرست تراجع الكرة الإيطالية منذ بداية الألفية، وصار يقتضي اعادة النظر في الاستراتيجية ومنظومة اللعب التي لم تعد قادرة على مواجهة التحولات التي تشهدها كرة المستوى العالي فنيا وماديا، والتي تقتضي الجهد والمال والجرأة في الاستثمار والاستمرار، والصبر على الاخفاقات والكوابيس التي يتعرض لها كل مجتهد يملك استراتيجية مثلما فعل الفريق (القطري الفرنسي) على مدى أكثر من عقد من الزمن، صار فيه سيدا لفرنسا، وتربع على عرش أوروبا بجدارة واستحقاق في انتظار المزيد.

إعلامي جزائري