الوقائع :يمضي الأردن بثبات نحو تحقيق أمنه الطاقي وتقليل اعتماده على الاستيراد، من خلال مشاريع استراتيجية تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستدامة ضمن رؤية ملكية شاملة تضع التحديث الاقتصادي في مقدمة أولوياتها.

ويعد مشروع تطوير حقل غاز الريشة أحد أبرز المشاريع الوطنية في هذا الإطار، إذ يمثل ركيزة أساسية في البرنامج التنفيذي الثاني لرؤية التحديث الاقتصادي (2026–2029) واستراتيجية الطاقة (2025–2035)، سعياً لبناء اقتصاد طاقي متكامل قادر على جذب الاستثمارات ودعم النمو المستدام.

وفي هذا السياق، وقّعت شركة البترول الوطنية مؤخراً اتفاقية استراتيجية مع الشركة الكويتية للحفريات، لحفر 80 بئراً جديدة في حقل الريشة بكلفة 174 مليون دولار، بنظام 'تسليم المفتاح' خلال أربع سنوات، وبتمويل ذاتي من الشركة عبر إيرادات الغاز، إلى جانب دعم حكومي بقيمة 87 مليون دينار. ويهدف المشروع إلى رفع الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي التدريجي.

وأوضح وزير الطاقة والثروة المعدنية الدكتور صالح الخرابشة أن الاستراتيجية الشاملة للقطاع تستهدف تنويع مصادر الغاز الطبيعي عبر أربعة مسارات رئيسية: الغاز المصري عبر الأنابيب، وغاز المتوسط، والغاز المنتج محلياً من حقل الريشة، والغاز المسال المستورد من العقبة، مؤكداً أن الهدف هو تقليل الاعتماد على مصدر واحد وتعزيز مرونة النظام الطاقي الوطني.

من جانبه، بيّن مدير عام شركة البترول الوطنية المهندس محمد الخصاونة أن الشركة تسعى للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الغاز بحلول عام 2029، من خلال رفع القدرة الإنتاجية إلى أكثر من 400 مليون قدم مكعب يومياً، موضحاً أن الشركة أنجزت حفر 10 آبار خلال عام 2025، ما رفع الإنتاج إلى 80 مليون قدم مكعب يومياً، وهو مستوى قياسي يفوق التوقعات.

أما خبير الطاقة هاشم عقل فاعتبر توقيع الاتفاقية خطوة تاريخية لتعزيز الأمن الطاقي الأردني، متوقعاً أن يسهم المشروع في رفع الإنتاج المحلي إلى 418 مليون قدم مكعب يومياً بحلول عام 2030، ما يقلل الاعتماد على الطاقة المستوردة ويفتح آفاقاً جديدة للصناعات التحويلية والبتروكيماوية والتعدينية، إلى جانب دعم التحول نحو الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الكربونية.

وأشار عقل إلى أن هذه الجهود تتكامل مع خطة الأردن لرفع مساهمة الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح) إلى 50% من مزيج الكهرباء بحلول 2030، مؤكداً أن الغاز الطبيعي خيار أنظف وأكثر استدامة، وأن المشروع يشكل نقطة تحول في مسار الاستقلال الطاقي.

وفي السياق ذاته، أكد الأمين العام للهيئة العربية للطاقة المتجددة المهندس محمد الطعاني أن تنويع خليط الطاقة يمثل ركيزة أساسية للأمن الطاقي الوطني، داعياً إلى إدارة مبتكرة قادرة على تحقيق التوازن بين العرض والطلب وتعزيز التكامل بين مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة. كما شدد على أهمية تطوير البنية التحتية للنقل الأخضر ومواكبة التطورات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، بما يعزز مكانة الأردن كمركز إقليمي للطاقة والتبادل الكهربائي.