شهدت قمة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في البيت الأبيض يوم 18 نوفمبر 2025، لحظة مفصلية في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، إذ جمعت بين مراسم احتفالية واستعراض عسكري من جهة، وصفقات استراتيجية ضخمة من جهة أخرى.

بحسب موقع البيت الأبيض، أعلنت المملكة أنها سترفع استثماراتها في الولايات المتحدة إلى ما يقارب تريليون دولار، مسجّلة قفزة من التزام سابق قدره حوالي 600 مليار دولار، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.

وفيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، جاء موقف ترامب مثيرًا للجدل حين دافع عن بن سلمان في مؤتمر صحفي قائلًا إن “الأمور تحدث” وإن الأمير “لم يكن يعلم شيئًا” عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، رغم تقرير استخباراتي أمريكي أشار إلى موافقة الأمير على العملية، وفقا لصحيفة واشنطن بوست، وأعادت هذه التصريحات إلى الواجهة أسئلة الحقوق والمساءلة، في وقت يرى خبراء أن الصفقات الضخمة تتقدَّم بسرعة تفوق الاهتمام بالقضايا الأخلاقية.

وعلى الجانب الاقتصادي، ركّزت القمة على تعزيز التكامل الاستثماري بين البلدين؛ ففي مجال التكنولوجيا، أُعلِن أن الاستثمارات السعودية ستمتد إلى الذكاء الاصطناعي، مراكز البيانات، وصناعة الرقائق الإلكترونية، ما يشير إلى إعادة انتقال للاقتصاد السعودي نحو ما بعد النفط. وتشير التقارير إلى أن أحد أبرز بنود التعاون هو احتمالية بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى السعودية، الأمر الذي نشرته جيروزاليم بوست في تحليلها حول الصفقة والدلالات الإقليمية المترتبة عليها.

من جهة الأمن والدفاع، أعلن ترامب أن السعودية تُصنّف الآن كـ'حليف رئيسي خارج الناتو'، في خطوة تمنح الرياض امتيازات عسكرية وتكنولوجية متقدمة. جاءت هذه الخطوة بالتوازي مع عرض بيع مقاتلات وتعزيز قدرات الدفاع السعودية، ما أثار مخاوف في إسرائيل من فقدانها “التفوّق النوعي” العسكري، وفقا لصحيفة جيروزاليم بوست.

على الصعيد الإقليمي، تمّت مناقشة دور السعودية في عملية التطبيع مع إسرائيل ضمن إطار اتفاقات إبراهيم، حيث شدّد بن سلمان على شرط وجود “مسار واضح نحو دولة فلسطينية مستقلة” قبل الانضمام الكامل.

ونقلت صحيفة ذا هيل، ومقرها واشنطن، ذلك في تغطيتها للحفل الرسمي، الذي حضره شخصيات بارزة مثل إيلون ماسك وتيم كوك.

ولكن على الرغم من هذه الخطوات الكبيرة، يحذر المحللون من أن التحالف يعاني من تفاوت في الرؤية والتنفيذ: فبينما تستعرض الأطراف ما تمّ إنجازه من صفقات، تبقى الأطر التنفيذية لسياسات الدفاع، التمويل، والحوكمة ضعيفة أو غير واضحة، ما قد يُنبئ بفشل محتمل في تحقيق الأهداف المرجوّة، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست.

إلى جانب ما سبق، أثارت القمة جدلًا داخليًا واسعًا في واشنطن؛ فقد نقلت تقارير صحفية مثل رول كول، وسي إن بي سي، أن استقبال ترامب الحافل لولي العهد السعودي واجه انتقادات من أعضاء في الكونجرس، الذين اعتبروا أن الصفقات الاقتصادية والعسكرية الضخمة تتجاهل المخاوف الأخلاقية المرتبطة بمقتل الصحفي جمال خاشقجي.

كما أشار بعض المراقبين إلى أن ارتباطات محتملة بين أعمال عائلة ترامب الخاصة والاستثمارات السعودية زادت من حدة النقاش حول تضارب المصالح، ما جعل القمة محط انتقاد سياسي داخلي غير مسبوق.

وعلى المستوى الدولي، أوضحت تغطيات سي بي سي نيوز وموقع دويتشه فيله الألماني أن القمة حملت انعكاسات أوسع على صورة ولي العهد السعودي، إذ اعتُبرت بمثابة إعادة تأهيل سياسي له بعد سنوات من العزلة الدبلوماسية، فهناك دول عديدة مثل كندا وألمانيا تابعت التطورات عن كثب، ورأت أن الانفتاح الأمريكي على الرياض قد يفتح الباب أمام شراكات اقتصادية جديدة معها أيضًا.

في المقابل، حذرت منظمات حقوقية أوروبية من أن هذا الانفتاح قد يضعف الضغط الدولي على السعودية في ملفات حقوق الإنسان.

أما على صعيد الاستثمارات المستقبلية، فقد ذكرت تقارير المونيتور ورويك نيوز أن خطة الاستثمار السعودية البالغة تريليون دولار في الولايات المتحدة ستتركز على قطاعات الذكاء الاصطناعي، البنية التحتية، والطاقة النووية المدنية، في إطار رؤية السعودية 2030.

هذه الخطوة تهدف إلى تحويل المملكة إلى مركز إقليمي للتقنيات المتقدمة، غير أن محللين اقتصاديين حذروا من أن نجاح هذه الاستثمارات يعتمد على استقرار أسعار النفط والظروف السوقية العالمية، ما يجعل التنفيذ محفوفًا بالتحديات رغم الطموحات الكبيرة.

وترسم قمة ترامب ‑ بن سلمان صورة جديدة لعلاقات أمريكية‑سعودية تكون فيها المصالح الاقتصادية والاستراتيجية في مقدمة الأولويات، لكن يأتي ذلك في ظل نقاشات غربية ساخنة حول البعد الحقوقي والقانوني لتلك العلاقات.

أما المستقبل، فهو كفيل بالكشف عما إذا كان هذا التقارب سيُترجم إلى شراكة حقيقية مستدامة، أو إلى تحالف قد يتعثّر تحت وطأة التناقضات الداخلية والخارجية.