في مشهد استثنائي يختزل الصدام بين الثراء الفاحش والتقاليد المحلية، تحوّلت مدينة البندقية الإيطالية هذا الأسبوع إلى مركز عالمي للاهتمام، مع بدء احتفالات زفاف الملياردير الأميركي جيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون، وخطيبته المذيعة لورين سانشيز، في حفل فاخر يمتد لثلاثة أيام ويُقام في قلب المدينة التي كانت يومًا رمزًا للفخامة الراقية في عصر النهضة.

شهدت المدينة، التي تعاني أصلًا من ضغوط السياحة المفرطة، وصول عشرات الطائرات الخاصة واليخوت الفارهة، في وقت انتشرت فيه قوات الأمن والكلاب البوليسية المدربة حول جزيرة سان جورجو ماجوري التي ستستضيف جزءًا من الاحتفالات. في المقابل، تصاعد الغضب بين عدد من السكان والمنظمات المحلية، التي رأت في الزفاف 'استيلاءً رمزيًا على المدينة' من قبل نخبة الأثرياء العالميين، مشككة في أحقية بيزوس بتحويل البندقية إلى خلفية استعراضية لصور عائلية.

فيما رحّب مسؤولون محليون ورجال أعمال بالمناسبة لما تدرّه من أموال و'مكانة دولية'، عبّر آخرون عن استيائهم من اختزال مدينة بأكملها إلى موقع تصوير فاخر. وشهدت ساحة سان ماركو الشهيرة احتجاجات لافتة، أبرزها لافتة ضخمة كتب عليها: 'إذا استطعت استئجار البندقية لزفافك، يمكنك أن تدفع ضرائب أكثر'، من تنظيم مجموعة 'الجميع يكرهون إيلون' بالتعاون مع 'غرينبيس'.

وكان من المقرر أن يُقام أحد حفلات الزفاف في قاعة 'سكولا غراندي ديلا ميسيريكورديا'، لكن تم تغيير الموقع بعد تهديدات بعرقلة الحدث. كما أُلغي ترخيص رصيف ليخت بيزوس الفاخر في مرفأ المدينة.

وبينما أُجبر الطهاة والممونون على توقيع اتفاقيات سرية، تم الكشف عن بعض تفاصيل الحدث، إذ تم حجز نحو 30 تاكسيًا مائيًا وسبعة يخوت، في حين يُتوقع أن تحطّ نحو 90 طائرة خاصة في مطار المدينة. كما جُهز قصر 'غريتي' الفخم، وقصر 'بابادوبولي' الذي يُدار من قبل سلسلة فنادق 'أمان'، لاستقبال الضيوف الذين يُتوقع أن يصل عددهم إلى نحو 200 من المشاهير والسياسيين.

تقول مجموعات محلية إن المدينة لم تعد تُعامل كمكان حقيقي للسكن والعمل، بل كـ'حديقة ترفيهية للنخبة'، وهو ما يتجلى في طرد السكان الأصليين بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، فيما يستقبل القصور التاريخية مشاهير الإنستغرام ونخبة وادي السيليكون.

بيزوس، المعروف بنشاطاته في مجال الفضاء وتقنيات الذكاء الاصطناعي، لا يأتي إلى البندقية لإنشاء مركز أبحاث، كما يقول المحتجون، بل فقط للاحتفال. 'إنه يمثل نموذجًا اقتصاديًا لا يتماشى مع هذه المدينة'، تقول إحدى المعلمات المشاركات في الاحتجاجات.

ويرى العديد من الإيطاليين أن زفاف بيزوس لا يشبه زفاف جورج وأمل كلوني الذي أُقيم في نفس المدينة قبل عشر سنوات، فبيزوس، بمستوى ثروته وعلاقاته الوثيقة مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، يُنظر إليه على أنه 'رمز لرأسمالية مفرطة لا تتماشى مع الذوق الأوروبي'.

وفيما يدافع بعض المسؤولين عن الحدث، باعتبار البندقية مدينة 'مفتوحة للجميع'، يرى المنتقدون أن الاحتفال يكرّس فقدان المدينة لهويتها، ويحولها إلى منصة لتألق الأوليغارشية الجديدة.

ويبقى زفاف بيزوس مناسبة تختزل الجدل العالمي الدائر حول العدالة الاقتصادية، وتثير تساؤلات عن حدود النفوذ الشخصي، وقدرة المال على استئجار مدن بأكملها.