القاهرة- مباشر: قال محمد فريد رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية ورئيس لجنة الأسواق النامية والناشئة (GEMC)، إنه لا يمكن للأسواق أن تحافظ على ثقة المستثمرين أو تتطور بصورة مستدامة دون الإفصاح الجيد والالتزام بالمعايير؛ فالإفصاح هو حجر الأساس للاستقرار المالي والبوابة الأولى لجذب الاستثمارات.

جاء ذلك خلال إلقائه محاضرة افتراضية أمام المشاركين في البرنامج التدريبي الذي تنظمه كلية ديكسون بوون للقانون التابعة لـ King’s College London، بصفته نائب رئيس المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية (IOSCO)، تناول خلالها الدور العالمي للمنظمة في وضع المعايير المنظمة لأسواق الأوراق المالية، وأولويات عملها تجاه الأسواق النامية والناشئة.

ويقدّم برنامج Navigating International Financial Regulation and Compliance رؤية شاملة للإطار المنظم للأسواق المالية، مستعرضًا القواعد الأساسية والمعايير الدولية الصادرة عن الهيئات العالمية، وفي مقدمتها لجنة بازل للرقابة المصرفية (BCBS) ومجلس الاستقرار المالي (FSB) ومجموعة العمل المالي (FATF) وIOSCO، مع توضيح انعكاس تلك المعايير على التشريعات.

ويغطي البرنامج تحليلاً معمقًا لأبرز المنتجات المالية، من الأصول المشفرة والأوراق المالية والسندات والمشتقات والقروض المشتركة، وصولًا إلى الأدوات المدعومة بالأصول، موضحًا تأثير المتطلبات الرقابية على هيكلتها وتداولها ومخاطرها، في ضوء الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية.

واستهل فريد محاضرته بالإعراب عن تقديره للمشاركة في برنامج تقدمه المؤسسة الأكاديمية التي درس بها وحصل منها على درجة ماجستير القانون، مستعرضًا جانبًا من مسيرته المهنية في مجالات الرقابة المالية والعمل الأكاديمي. وأكد أن المحاضرة تأتي ضمن جهود دعم القدرات الرقابية وتبادل الخبرات حول أفضل الممارسات الدولية، مشيرًا إلى أن الحفاظ على استقرار الأسواق المالية يبدأ بوجود معايير واضحة وشفافة.

وتناول فريد الدور الذي تضطلع به IOSCO منذ تأسيسها باعتبارها المظلة الدولية التي تضم جهات رقابية تشرف على أكثر من 95% من أسواق الأوراق المالية بالعالم، موضحًا أن مبادئ المنظمة الـ38 تعد من أكثر المعايير اعترافًا وتأثيرًا من جانب مجموعة العشرين ومجلس الاستقرار المالي وصندوق النقد والبنك الدوليين. ولفت إلى قدرة IOSCO على بناء التوافق بين الجهات الرقابية رغم اختلاف التشريعات وتفاوت مستويات تطور الأسواق.

وأوضح أن معايير IOSCO تغطي جميع مكونات السوق، بدءًا من الجهات الرقابية مرورًا بالمُصدرين والمراجعين وشركات التصنيف الائتماني وصناديق الاستثمار والوسطاء، وصولًا إلى الأسواق الثانوية والمقاصة والتسوية، مؤكدًا أنها تمثل ركنًا أساسيًا في حماية المستثمرين وضمان عدالة وكفاءة الأسواق وخفض المخاطر النظامية.

كما تناول آليات صياغة المعايير عبر اللجان السياسية الثماني داخل المنظمة، والتي تعتمد على التشاور الواسع بين الأعضاء وأصحاب المصلحة. واستعرض أبرز أعمال المنظمة مؤخرًا، بما يشمل التقارير المتعلقة بالإفصاح في الأسواق الثانوية والمخاطر التشغيلية وتنظيم الأصول المشفرة والتحديات التي تواجه الأسواق الناشئة، مشددًا على أن «المعايير تكتسب قيمتها الحقيقة عند التنفيذ»، وأن IOSCO تركز بفاعلية على متابعة التطبيق ورصد التحديات ودعم الممارسات الجيدة بين الدول.

وفي هذا الإطار، عرض فريد جهود لجنة التقييم وبرامج متابعة التنفيذ (ISIM)، وما كشفت عنه من تفاوتات في تطبيق بعض المبادئ المتعلقة بالمخاطر النظامية وتبادل المعلومات، فضلًا عن نتائج المراجعات المشتركة بين IOSCO ومجلس الاستقرار المالي بشأن الأصول والعملات المستقرة، والتي أكدت الحاجة لتعزيز الاتساق العالمي والتعاون عبر الحدود وتطوير آليات الإنفاذ.

وتطرق فريد إلى برنامج بناء القدرات NEXTGEN الذي أطلقته IOSCO عام 2024، والذي يستهدف دعم الأسواق النامية عبر برامج تدريبية متخصصة، وتقويم عالمي للبرامج التدريبية، ومنصة معرفية رقمية، وقاعدة خبراء موسعة، بالتعاون مع البنك الدولي وصندوق النقد ومركز تورونتو وجهات دولية أخرى. واعتبر البرنامج نقلة نوعية في دعم القدرات الرقابية، خاصة في مجالات التكنولوجيا المالية وتطوير الأسواق والاستدامة.

كما استعرض آليات التعاون داخل IOSCO من خلال مذكرات التفاهم متعددة الأطراف والمذكرة المعززة، إضافة إلى دور اللجان الإقليمية (AMERC)، (APRC)، (ERC)، (IARC)، و(GEMC) في تعزيز التعاون بين الجهات الرقابية، مؤكدًا أن الأسواق الناشئة تشكل محورًا رئيسيًا في مستقبل المنظمة، وأن لجنة GEMC تعمل على تعزيز حضور هذه الأسواق في صياغة المعايير الدولية.

وتناول رئيس GEMC المبادرات الرئيسية للجنة، وعلى رأسها تقرير تطوير أسواق المال في الدول الناشئة الصادر لمجموعة العشرين عام 2020، والذي تناول التحديات المتعلقة بالأطر القانونية والحوكمة والسيولة وضعف أسواق السندات، مقدمًا توصيات حول بناء القدرات وتسلسل الإصلاحات ودور التكنولوجيا المالية في التطوير.

كما استعرض جهود اللجنة بشأن ميسرات الابتكار مثل المختبرات التنظيمية والمسرعات، والتوصيات المتعلقة بتحقيق تنظيم متوازن يدعم الابتكار ويحد من المخاطر، إلى جانب مبادرات الشمول المالي ودور التكنولوجيا المالية في تعزيز الوصول وخفض التكلفة ورفع الشفافية.

وتطرق كذلك إلى شبكة GEMC لدعم اعتماد معايير الإفصاحات المتعلقة بالاستدامة (ISSB)، التي أطلقتها اللجنة في ديسمبر 2024، بهدف مساعدة الدول الناشئة على تبني هذه المعايير عبر ورش تدريبية ومساعدات فنية وتبادل الخبرات.

واختتم فريد محاضرته بالتأكيد على الدور المحوري الذي تلعبه IOSCO في تعزيز سلامة الأسواق المالية العالمية من خلال وضع المعايير ومتابعة تنفيذها وبناء القدرات وتعزيز التعاون الدولي، مشيرًا إلى أن احتياجات الأسواق الناشئة تمثل ركيزة أساسية في مستقبل التنظيم المالي العالمي.

وقال: «قوة الأسواق تكمن في قدرتها على التطور والالتزام بالمعايير وتبني الابتكار والعمل المشترك عبر الحدود، ومن خلال IOSCO ولجانها المتخصصة سنواصل دعم أسواق أكثر شفافية وكفاءة واستدامة بما يخدم المستثمرين والاقتصادات حول العالم».