يَمْنَحُ الخُذْلَانُ القَلْبَ مَا لَا تَمْنَحُهُ آلَافُ الأَحَادِيثِ المَلِيئَةِ بِالوَعْيِ تُجَاهَ المَوَاقِفِ السَّامَّةِ وَالشَّخْصِيَّاتِ المُسْتَنْزِفَةِ لِلطَّاقَةِ.

أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مُوجِعٌ، لِأَنَّ الأَرْوَاحَ لَمْ تُخْلَقْ لِتَتَلَقَّى صَفْعَةً مِنْ شَخْصٍ وَضَعْنَاهُ فِي أَعْلَى مَنَازِلِ الرُّوحِ.

وَلَكِنْ لِلأَلَمِ فَائِدَةٌ خَفِيَّةٌ، إِذْ يُوقِظُ القَلْبَ عَلَى حَقِيقَةٍ لَا نُرِيدُ تَصْدِيقَهَا:

لَا أَحَدَ يَسْتَحِقُّ التَّنْزِيهَ أَوِ التَّمْيِيزَ.

فَالجَمِيعُ سَيُؤْلِمُكَ بِطَرِيقَتِهِ الخَاصَّةِ،

وَكُلُّ مَا فِي الحَيَاةِ يُذَكِّرُكَ بِأَنَّ المَسَاوَاةَ فِي المَقَامَاتِ، وَفِي تَرْتِيبِ الأَمَاكِنِ فِي القُلُوبِ، رَاحَةٌ لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ.

القَرِيبُ وَالبَعِيدُ، الحَنُونُ وَالقَاسِي، الطَّيِّبُ وَالمَاكِرُ... كُلُّهُمْ سَيَخْذُلُونَكَ خُذْلَانًا يَلِيقُ بِهِمْ، لَا بِكَ.

كَثِيرًا مَا نَلُومُ أَنْفُسَنَا عَلَى مَا حَدَثَ مِنْ فُلَانٍ،

لِأَنَّنَا نَحْنُ مَنْ بَالَغْنَا فِي رَفْعِهِ إِلَى مَكَانَةٍ لَمْ يَكُنْ يَسْتَحِقُّهَا.

وَبَعْضُ المَوَاقِفِ الدَّفِينَةِ تَكْشِفُ خُبْثًا لَمْ نَرَهُ فِي المَلَامِحِ، بَلِ اخْتَبَأَ وَرَاءَ قِنَاعٍ مِنَ اللُّطْفِ المُزَيَّفِ.

لَا تَحْزَنْ حِينَ تَنْكَشِفُ لَكَ نَوَايَا النَّاسِ،

بَلِ اشْكُرْ تِلْكَ الصَّدْمَةَ الصَّغِيرَةَ الَّتِي أَيْقَظَتْ فِيكَ وَعْيًا جَدِيدًا.

فَالصَّدَمَاتُ مُؤْلِمَةٌ، نَعَمْ، وَلَكِنَّهَا تَصْنَعُ وَعْيًا مُرْعِبًا فِي قُوَّتِهِ، يُعَلِّمُنَا الحَذَرَ، لَا القَسْوَةَ.

وَمَعَ مُرُورِ الوَقْتِ، سَتَشْفَى.

سَتَبْقَى النُّدُوبُ أَثَرًا خَفِيفًا، وَلَكِنَّهَا سَتُذَكِّرُكَ أَنَّ الحَذَرَ لَا يَعْنِي الجَفَاءَ، بَلِ النُّضْجَ.

سَتَتَعَلَّمُ أَنْ تَنْتَقِي، وَأَنْ تَضَعَ لِكُلِّ رُوحٍ مَكَانَتَهَا دُونَ أَنْ تُفْرِطَ فِي العَشَمِ،

وَسَتَأْتِي الأَيَّامُ الجَمِيلَةُ، بِالأَوْفِيَاءِ وَالأَحَنِّ، بَعْدَ آلَافِ الخَيْبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ الخَفِيَّةِ وَالظَّاهِرَةِ.

فَلَا تَبْتَئِسْ، فَالمُخَبَّأُ لَكَ أَجْمَلُ.

وَمَا أَوْجَعَكَ اليَوْمَ سَيُمْحَى غَدًا.

سَتَبْقَى القُوَّةُ كَامِنَةً فِيكَ، تُرَى فِي النَّظَرَاتِ، وَتُسْمَعُ فِي الكَلِمَاتِ.

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُكَلِّلَ أَرْوَاحَكُمْ بِالرِّضَا التَّامِّ عَنْ أَقْدَارِكُمْ،

وَعَنْ اخْتِيَارَاتِكُمْ لِمَنْ حَوْلَكُمْ —

أَصْدِقَاءَ، أَحِبَّةً، أَرْوَاحًا عَابِرَةً، أَوْ إِخْوَةً لَمْ تَلِدْهُمْ أُمَّهَاتُكُمْ.

احْفَظُوا قُلُوبَكُمْ، وَاجْعَلُوهَا تَرْقُدُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي سَلَامٍ،

فِي أَمَانِ المَوْلَى وَحِفْظِهِ.