اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٢ تموز ٢٠٢٥
العزاء بين المفهوم الإسلامي والممارسات الاجتماعية: حين تتحول الفاجعة إلى عبء مادي
كتب وسام السعيد- في وقت يفترض فيه أن يكون العزاء مناسبة للتخفيف عن أهل المتوفى، والتعبير عن التضامن والدعاء، تحوّل في مجتمعاتنا – للأسف – إلى مناسبة محمّلة بالتكاليف، والشكليات، والضغوط الاجتماعية التي تثقل كاهل أهل المتوفى، وتبتعد تدريجيًا عن جوهر العزاء الإسلامي.
المفهوم الإسلامي للعزاء:
في الشريعة الإسلامية، العزاء هو تثبيت لأهل المصاب، وتعزية لهم، والدعاء للميت بالرحمة. لم يرتبط العزاء في أصله لا بخيمة، ولا بثلاثة أيام ثابتة، ولا بوجبات طعام تُقدَّم لعشرات أو مئات المعزّين.
بل روي عن النبي ﷺ:
'اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم” أي أن الجيران والأقارب هم من يبادرون لتخفيف العبء، لا أن يُحمّل أهل المتوفى مسؤوليات إضافية وهم في قمة حزنهم.
الواقع الاجتماعي:
لكن في مجتمعنا، تحوّل العزاء إلى 'مناسبة اجتماعية” تُحسب بالحضور والضيافة والمظاهر، لا بالدعاء والمواساة. خيام فخمة، مقاعد مرقّمة، وجبات طعام باهظة، أحيانًا تُعدّ لأيام، وقد يلحقها ديون ونفقات لا قبل لأحد بها.
تُرهق العائلات المتوسطة ومحدودة الدخل، وتضطر إلى مجاراة 'العُرف”، خوفًا من نظرة الناس أو كلام الأقارب، رغم أن كثيرًا منهم يدرك في قرارة نفسه أن الأمر بات عبئًا لا معنى له.
ما بين الواجب والرياء:
المفارقة أن كثيرًا من الحضور يأتي أداءً للواجب، أو 'رفع عتب”، وقد يغادر دون حتى قراءة الفاتحة أو الدعاء. في حين أن بعضًا من أقارب المتوفى، وربما جيرانه، يتمنون الدعاء الصادق بصمت، أكثر من كرسي في خيمة أو صحن مقلوبة.
دعوة لإعادة النظر:
إن إعادة العزاء إلى بساطته الأولى، لا تعني قلة احترام، بل هي رجوع إلى جوهر الدين والعقل. المواساة لا تقاس بعدد الكراسي، والدعاء لا يحتاج خيمة، والرحمة لا تنزل على الطعام، بل على القلوب الصادقة.
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والمظاهر الاجتماعية المتضخمة، أصبح من الضروري أن نُعيد تقييم ممارساتنا، وأن ننتصر للمعنى، لا للمظاهر. فالميت بحاجة إلى دعاء، وأهله بحاجة إلى صبر، لا إلى فواتير جديدة.