اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٨ أيلول ٢٠٢٥
الاعتراف الدولي بفلسطين: بين الرمزية السياسية وواقع الإبادة في غزة
د. خالد العاص
في غزة، حيث الموت يزاحم الحياة في كل زاوية، تتصاعد أصوات الانفجارات وتُطمر المدن تحت ركام الدبابات والمجنزرات الإسرائيلية. هناك، يعاني الناس من المجاعة وانعدام الماء والدواء، بينما الجثث ملقاة في الشوارع بلا كفن ولا وداع. وفي المقابل، تتوجه أنظار العالم إلى قاعات نيويورك المكيّفة، حيث ينعقد مؤتمر 'حل الدولتين' برعاية سعودية وفرنسية، في مشهد يبدو وكأنه محاولة لمنح الفلسطينيين 'أنبوب تنفس اصطناعي'، لا أكثر.
لكن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، مهما تعددت بياناته، يظل خطوة رمزية ما لم تُترجم إلى حماية حقيقية على الأرض. فقد اعترفت حتى الآن 156 دولة بفلسطين، أي أكثر من 80% من دول العالم، غير أن هذا الرقم الضخم لم يوقف حرب الإبادة في غزة، ولم يلجم الاستيطان في الضفة. فالمسألة لا تتعلق بعدد الدول بقدر ما ترتبط بوزنها وقدرتها على فرض مواقفها.
الولايات المتحدة وإسرائيل تمسكان بمفتاح القرار، وتلقيان بكل ثقلهما لتعطيل أي أثر فعلي لهذه الاعترافات. وهنا يتكشف جوهر المعادلة: الاعترافات العربية والأوروبية تتناثر في الهواء كبيانات حسن نية، بينما واشنطن وتل أبيب تترجمان رفضهما بقرارات عملية على الأرض، من توسيع الاستيطان إلى تهديدات الضم، مرورًا بسياسات العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين.
في مواجهة هذا الانسداد، برزت الجهود الأردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني كأحد الأصوات العربية الأكثر حضورًا وجرأة في الساحة الدولية. فالملك لم يكتفِ بالشجب ولا بالبيانات، بل تحرك في المحافل الأممية والعواصم الغربية ليؤكد أن الاعتراف بفلسطين ليس جائزة رمزية ولا 'منة سياسية'، بل استحقاق قانوني وأخلاقي، يجب أن يُترجم إلى خطوات عملية تضمن حقوق الشعب الفلسطيني وتدعم مسار الدولة المستقلة. تحذيراته المستمرة من أن تجاهل هذه الحقوق سيقود إلى انفجار إقليمي واسع، جعلت من الموقف الأردني ركيزة أساسية في الدفاع عن القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي.
ومع ذلك، جاء الرد الإسرائيلي والأمريكي متشابهًا: رفض مطلق، واتهام الاعترافات بأنها 'مكافأة للإرهاب'. لم يتردد رئيس الوزراء الإسرائيلي في تحويل هذا الرفض إلى فرصة لتوسيع الاستيطان وفرض مزيد من السيطرة، بينما سارعت الإدارة الأمريكية إلى تبني الخطاب الإسرائيلي بحذافيره، لتؤكد مرة أخرى اندماج الموقفين حتى درجة التطابق. إنها 'أسرلة' كاملة للسياسة الأمريكية.
اليوم، يقف الفلسطينيون أمام سؤال مصيري: ماذا يفيد الاعتراف إذا كانت غزة تُمحى من الوجود؟ ما قيمة المؤتمرات إذا كان شعب بأكمله يعيش تحت خطر المجاعة والإبادة؟ إن الامتحان الحقيقي لهذه الاعترافات لا يكمن في القاعات الدبلوماسية، بل في قدرة العالم على حماية أرواح الأبرياء ووقف الحرب.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس منّة ولا جائزة، بل استحقاق تؤكده الشرعية الدولية ويدعمه الموقف الأردني كصوت ثابت في وجه العجز الدولي. لكن هذا الاستحقاق سيتحول إلى سراب إذا لم يترافق مع فعل سياسي جاد، يوقف القتل والتهجير، ويصون ما تبقى من حياة على الأرض. أما أن يكتفي العالم بالتصفيق للاعترافات بينما غزة تُباد، فذلك يعني أن الفلسطينيين لا ينالون دولة، بل مجرد 'شهادة رمزية' على قبر وطن يُمحى أمام أعين الجميع.