في تطور مثير للجدل يعكس تغيرًا جذريًا في سياسات حرية التعبير داخل الولايات المتحدة، أقدمت إدارة الرئيس دونالد ترامب على اعتقال المعلق السياسي البريطاني سامي حمدي، المعروف بانتقاداته الحادة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك أثناء زيارته لولاية كاليفورنيا.

وقالت شبكة سي إن إن الإخبارية إن هذه الخطوة التي اتخذتها سلطات الهجرة الأمريكية، والمتمثلة في إلغاء تأشيرته واحتجازه تمهيدًا لترحيله، أثارت موجة من الغضب في الأوساط الحقوقية والصحفية، وطرحت تساؤلات جوهرية حول مستقبل حرية التعبير في بلد طالما تباهى بأنه حاميها.

لحظة الاعتقال: صدمة في مطار سان فرانسيسكو

بينما كان سامي حمدي يستعد لمغادرة مطار سان فرانسيسكو بعد مشاركته في ندوة سياسية حول الشرق الأوسط، فوجئ باحتجازه من قبل عناصر إدارة الهجرة والجمارك (ICE).

ووفقًا لتقارير أولية نشرتها صحيفة الجارديان البريطانية، فإن السلطات الأمريكية ألغت تأشيرته وأعلنت نيتها ترحيله، في خطوة وصفتها منظمة 'كير' (مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية) بأنها 'انتهاك صارخ لحرية التعبير' و'سابقة خطيرة في استهداف الأصوات المعارضة'.

السبب الحقيقي: انتقاد إسرائيل

اللافت أن توقيت الاعتقال جاء بعد تصريحات حمدي التي انتقد فيها بشدة السياسات الإسرائيلية في غزة، واصفًا ما يحدث هناك بأنه 'انتهاك ممنهج لحقوق الإنسان'، وذلك خلال ظهوره في برنامج سياسي على قناة أمريكية محلية.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد نقلت عن مصادر في وزارة الأمن الداخلي أن حمدي 'يُشتبه في دعمه لأجندات معادية للولايات المتحدة'، وهي تهمة فضفاضة، كثيرًا ما تستخدمها إدارة ترامب لتبرير إجراءات قمعية ضد الأصوات المعارضة، خصوصًا تلك التي تتناول القضية الفلسطينية.

ردود فعل غاضبة من منظمات حقوقية وصحفية

أعلنت منظمة 'كير' أنها ستخوض معركة قانونية لمنع ترحيل حمدي، معتبرة أن ما حدث يمثل 'تحولًا خطيرًا في تعامل الولايات المتحدة مع حرية التعبير'.

وقالت في بيان رسمي: 'أمتنا يجب أن تتوقف عن اختطاف منتقدي الحكومة الإسرائيلية، فحرية التعبير لا يمكن أن تكون انتقائية'.

أما موقع بوليتيكو الأمريكي فقد وصف واقعة احتجاز المعلق البريطاني بأنها 'جزء من حملة أوسع تشنها إدارة ترامب ضد الأصوات المناهضة لإسرائيل'، مشيرة إلى أن هذه الحملة تشمل التضييق على الأكاديميين والناشطين وحتى الفنانين الذين يتبنون مواقف داعمة لفلسطين أو ينتقدون السياسات الإسرائيلية.

ترامب يرد: لا مكان لداعمي الإرهاب

في تعليق رسمي نشرته المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي، تريشيا ماكلوجلين، على منصة X، قالت: 'في عهد الرئيس ترامب، لن يُسمح لمن يدعمون الإرهاب أو يهددون الأمن القومي الأمريكي بالعمل أو زيارة البلاد'.

هذا التصريح أثار جدلًا واسعًا، إذ اعتبره كثيرون محاولة لتجريم الرأي السياسي وتحويله إلى تهديد أمني.

وعلقت صحيفة واشنطن بوست على التصريح بقولها إن 'الإدارة الحالية تخلط بين النقد السياسي المشروع والدعم للإرهاب، وهو أمر يهدد بتقويض أسس الديمقراطية الأمريكية'.

تحوّل في السياسة الأمريكية تجاه حرية التعبير

ما حدث مع سامي حمدي لا يمكن فصله عن السياق الأوسع الذي تشهده الولايات المتحدة في عهد ترامب، حيث تتزايد الإجراءات القمعية ضد الأصوات المعارضة، خصوصًا تلك التي تتناول إسرائيل أو تنتقد سياساتها.

هذا التحوّل يثير قلقًا بالغًا لدى منظمات حقوق الإنسان، التي ترى أن الولايات المتحدة بدأت تفقد موقعها كمنارة لحرية التعبير، لصالح أجندات سياسية ضيقة.

أما مجلة فورين بوليسي فقد نشرت تحليلًا مفصلًا حول 'تسييس حرية التعبير في أمريكا'، معتبرة أن ما يحدث هو 'إعادة تعريف خطيرة لحدود المسموح والممنوع في الخطاب العام الأمريكي'، وأن 'الخط الفاصل بين الأمن القومي والرقابة السياسية بات أكثر ضبابية من أي وقت مضى'.

هل أصبح انتقاد إسرائيل جريمة؟

في ظل هذه التطورات، يبرز سؤال جوهري: هل أصبح انتقاد إسرائيل جريمة يُعاقب عليها في الولايات المتحدة؟ وإذا كان الجواب نعم، فما الذي تبقى من حرية التعبير؟ قضية سامي حمدي ليست مجرد حادثة فردية، بل مؤشر على مسار سياسي مقلق، يُعيد تعريف حدود المسموح والممنوع في الخطاب العام الأمريكي.

وبينما تستعد 'كير' لمعركة قانونية، يبقى العالم في انتظار ما إذا كانت العدالة ستنتصر، أم أن الصوت الحر سيُرحّل خارج الحدود، في مشهد يعكس تراجعًا خطيرًا في القيم التي طالما تغنت بها الديمقراطية الأمريكية.