تحرير القدس بين احتلالين؛ الصليبي والصهيوني #عاجل

كتب د نبيل الكوفحي

…

في 2 أكتوبر ١١٨٧ م (٢٧ رجب ٥٨٣ هـ) حرّر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله القدس بعد حصار دام ١٢ يومًا، وانهى احتلال الصليبين لها لمدة ٨٨ عاما، اي منذ منذ عام ١٠٩٩ م. وذلك تتويجا لسلسة من التحضيرات السياسية وتوحيد الامة وخوض معارك متعددة وآخرها انتصاره الكبير في معركة حطين التي وقعت في يوم السبت ٢٥ ربيع الآخر ٥٨٣ هـ الموافق ٤ يوليو ١١٨٧ م . مما ادى إلى انهيار مملكة بيت المقدس الصليبية وخروجهم اذلاء من كل فلسطين.

لم يكن حال الامة قبل ذلك بخير، ومن يقرأ التاريخ يجد انها كانت مقسمة متناحرة، تعيش في اضعف حالاتها، حتى دفعت ثمن ذلك باحتلال القدس ومعظم مدن الساحل في بلاد الشام حتى حاصروا دمشق عام ١١٤٨ م. جاء صلاح الدين بمشروعه للنهوض بالأمة وتحرير بلادها وفي غضون اقل من عشرين عاما تمكن من تحقيق ذلك. كان مشروع صلاح الدين يقوم على مجموعة من الاسس أهمها؛ العودة لهذا الدين، و توحيد الامة، وبناء جيش عقدي يومن بالله ووعده ونصره، واعد ما استطاع من عدة ولكنها لم تكن مكافئة ابدا لقوة عدوه عددا وعدة. ولا ننسى انه مثّل القائد القدوة في عدله وتقواه وحنكته.

اليوم وقد مضى على احتلال فلسطين ما يقارب ٨٠ عاما، وقدم اهلها الكثير من التضحيات ولا زالوا، ونشهد الان عدوانا مستمرا وابادة جماعية منذ عامين عليهم، في ظل شراكة أمريكية ودعم غربي، وعجز وتخاذل عربي، وحالة صحوة عالمية تجاه قضيتنا العادلة، توجت اخيرا برحلة أسطول الصمود لكسر الخصار عن غزة.

هذه مناسبة ان نستذكر الزمانين: فالمكان ذاته، والعدو ذاته وان تصدره كيان غاصب، والعدوان سابقا وحاليا قائم على اسس دينية محرفة، وهمجيتهم ووحشيتهم هي ذاتها لم تتغير، فحينما احتلوا القدس عام ١٠٩٩ قتلوا من المسلمين والمقيمين معهم اكثر من مائة الف غير من قتلوه سابقا، حتى ذكر المؤرخون ان خيلهم سبحت في دماء المسلمين، كناية عن كثرة الدماء. وبعكس ذلك أخرجهم صلاح الدين سالمين مع أموالهم وأمتعتهم.

ما أحوجنا أن نستلهم جوهر ما قام به صلاح الدين، فالشعوب بحاجة لقائد يأخذ بيدها، ويعيدها إلى دينها، ويسوسها بالعدل والرحمة، ويفجر طاقاتها ويبني قواها، ويتقدمها نحو المغارم وليس المغانم. والأمة ذاتها، وقرانها لا زال كما هو محفوظا، لكنها رضيت الذلة في دينها والدنية في أوطانها، وتآمر بعض ابنائها مع عدوها. ولابد ان نعي ان صلاحا جديدا منتظرا لا يهبط من السماء، بل تصنعه الامة وتمشي خلقه وفق منهج الله.

ليس مستحيلا ذلك مطلقا، وأظن انه آن أوانه، فقد سقطت كل الشعارات والنماذج المستوردة، وقدمت الامة الكثير من التضحيات، وجربت الكثير من الطرق، ويقدم المجاهدون واهل غزة أروع نماذج التضحية والصبر، ونحسبها انها ادركت ولو متأخرا طريق الحق والحرية والعدل والتحرير. لكنها مسوولية الجميع؛ حكاما ومحكومين، افرادا وجماعات، علماء وتابعين، مفكرين ومتلقين، كتابا وقراء، قادة وجنودا.

لعل من افضل الظروف هي حالة الانكشاف الأخلاقي للمشروع الصهيوني امام الشعوب الغربية التي مكنت حكوماتها لهذا السرطان كل تلك السنوات، والان اصبح هناك تغيرا كبيرا بعد العدوان على غزة والابادة والتجويع اللذان يمارسان عليها. فليقم كل منا بدوره، فان الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والتاريخ لا يرحم ، وسنن الله لا تحابي احدا ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.