اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ٢٠ تموز ٢٠٢٥
بينما يجتمع العالم في مؤتمرات حول الأمن الغذائي، ويُناقش قادة الدول سبل تحقيق 'التنمية المستدامة'، هناك على بعد أميال قليلة من هذه الطاولات المستديرة، يموت أطفالٌ جوعًا في غزة.
عظام بارزة، وجوه شاحبة بلونٍ أصفر مائلٍ إلى الرماد، أجساد تتلاشى شيئًا فشيئًا من فرط الجوع... هذا ليس مشهدًا من فيلم خيالي، بل واقع يُعاش في غزة هاشم.
مجاعة فرضها الحصار والعدوان المتواصل منذ أكتوبر ٢٠٢٣، مما جعل الغذاء والماء والدواء أحلامًا بعيدة المنال لمليونَي إنسان يعيشون في القطاع، لا ماء نظيف، لا طحين، لا أساسات للحياة. وكأن القصف والدمار والخوف والعيش في الخيام لا تكفي، حتى جاء الجوع ليكمل فصول المأساة.
بحسب تقارير الأمم المتحدة ومنظمة (أنقذوا الأطفال) أكثر من 90% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي ونحو نصف مليون شخص يواجهون المجاعة بالفعل.
وقد وثّقت منظمات دولية وفاة أطفال بسبب الجوع وسوء التغذية، في مشهدٍ صادم يعيد إلى الأذهان كوارث إنسانية كان يُظن أنها لن تتكرر
لكن المأساة لا تتوقف عند شحّ الغذاء فمن يبحث عن لقمة يسد بها رمق أطفاله، يعود إما خالي الوفاض أو أشلاءً ممزقة، لا يُعرف رأسه من قدميه، وقد وثّقت جهات حقوقية استهداف المدنيين أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات.
عجبًا لأمة ترى المجازر والجوع والاستنزاف، فلا تتحرك لها مشاعر، وكأن دماء غزة تُسفك خلف جدار من اللامبالاة.
نحن هنا، نأكل ما لذ وطاب، ونتحدث عن 'الدايت' وتخفيف الوزن، بينما على بعد كيلومترات، يموت الأطفال جوعًا.
في مواجهة هذا المشهد، يطرح البعض مواقف 'محايدة' تدعو إلى ضبط النفس، متجاهلين الواقع الكارثي الذي يعيشه المدنيون. أليست هذه المواقف، بصمتها وترددها، شريكًا غير مباشر في استمرار هذه المجاعة؟
لقد أُعجبنا من قبل بصمود نساء غزة وصنعهم للخبز من لا شيء، ولكن حتى هذا 'اللاشيء' قد نفذ، كانت تعجن النساء الخبز من قشور البذور أو علف الحيوانات.
إن صور الأمهات اللاتي يخبزن من بقايا علف الحيوانات، أو الأطفال الذين يمضون أيامًا بلا طعام، لا يجب أن تمر مرور الكرام.
لا قمح، لا حبوب، لا ماء، لا معلبات... لم يتبقَّ سوى الجوع، والخذلان، وصمتٌ عالميٌّ يخنق الأرواح.
لم نعد نحصي شهداء القصف فقط، بل سنعد شهداء الجوع.
إلى متى سيظل العالم يغمض عينيه؟ إلى متى سنبقى نحن نعيش ترف الحياة ونتجاهل جيراننا الذين يذبلون؟
في النهاية، مجاعة غزة ليست مشهدًا عابرًا في نشرة الأخبار، بل اختبار أخلاقي للعالم بأسره فإما أن يتحرك هذا العالم لإنقاذ ما تبقّى، أو يواصل تعميق الفجوة والتزام الصمت.