اخبار اليمن
موقع كل يوم -المشهد اليمني
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
هو ليس مجرد معلم، بل هو حالة وطن متجسدة في إنسان. الأستاذ طه حسين الشرعبي، ذلك الرجل الذي جمع بين سلاح الجندي وقلم المعلم، يواصل اليوم رسالته التي عشقها لأكثر من ثلاثين عامًا، لكن هذه المرة من على كرسي متحرك، وبيدٍ تعلمت من جديد أن ترسم الأمل على سبورة المستقبل.
معلم وجندي في خندق واحد
قبل أن يكون الجرح الذي ألمّ به عنوانًا لقصته، كان طه حسين المعلم الذي يملأ عقول طلابه بالعلم، والمواطن الذي يملأ قلبه بحب اليمن. ومع اندلاع شرارة الحرب، لم يتردد لحظة في أن يكون في مقدمة الصفوف، مدافعًا عن أرضه المقدسة. ترك أسرته الصغيرة وطلابه في المدرسة، وحمل سلاحه الشخصي ليلتحق بجبهات القتال، أبرزها 'مقبنة' وغيرها من النقاط الساخنة، مؤمنًا بأن حماية التربة التي ينمو عليها المستقبل هي مقدمة لزرع العلم في عقول أبنائها.
تروي الناشطة الحقوقية شيناز الأكحلي، بصوتٍ يختلط فيه الفخر بالأسى، تفاصيل الملحمة: 'رجل لم تلد النساء مثله، جريح وطن ونموذج يجب أن تدرسه الأجيال'. لم يكن طه حسين مجرد متطوع، بل كان جنديًا يقاتل بنفس الروح التي كان يعلّم بها في فصله الدراسي، يرى في الدفاع عن الوطن امتدادًا طبيعيًا لرسالته في بناء الإنسان.
يومٌ أغمضت فيه عينٌ واندلعت فيه بارقة الأمل
في مشهدٍ يدمي القلب، وبينما كان الأستاذ طه يؤدي واجبه الوطني في إحدى الجبهات، انفجر به لغم أرضي زرعته ميليشيات الحوثي، ليقتلع منه في لحظةٍ جزءًا كبيرًا من جسده. كانت النتيجة مروعة: بتر ساقيه، ويده اليمنى، وفقدانه لعينه اليمنى. بدا وكأن نور الدنيا قد أُطفئ في عينه، وأن قلمه سيصمت إلى الأبد.
لكن إرادة الرجل التي لم تُكسر في ساحة المعركة، رفضت أن تنهار على فراش الألم. هنا، بدأت أروع فصول قصته؛ فصل التحدي والإصرار.
قلمٌ من اليسار يخطُّ مستقبلًا من اليمنى
خرج طه حسين من محنته جريحًا، لكن روحه كانت أكثر قوة ونضجًا. لم يقف مكتوف اليدين ولم يسمح لليأس أن يجد إليه سبيلاً. وبعد فترة من النقاهة، عاد إلى مهنته السامية، مدرسةً في مقبنة، ليستكمل مسيرته التعليمية من حيث انقطعت.
وبإرادة من فولاذ، علّم نفسه الكتابة بيده اليسرى. اليوم، يخطُّ على السبورة بخطٍّ يخطف الأبصار ويأسرك قبل أن تقرأ كلماته، خطٌّ يعكس جمالًا داخليًا لم تُفلح الحرب في تشويهه.
يحبه طلابه حبًا جمًا، ويرون فيه قدوةً في الصمود والعطاء. يتنقل بين فصول المدرسة إما على كرسيه المتحرك، أو محمولًا على أكتاف زملائه وطلابه الذين يتباركون بحمله، في مشهد إنساني نادر، يجسد معنى التكاتف والاحترام.
بيته المدرسة.. وأسرته الطلاب
ظروفه الصحية القاسية فرضت عليه واقعًا جديدًا. فبسبب وعورة الطريق الذي يصل منزله القريب بمدرسته، اضطر الأستاذ طه إلى اتخاذ المدرسة سكنًا دائمًا له. أصبحت الفصول حجرته، والسبورة نافذته على العالم، وطلابه أسرته الجديدة.
لكن قلبه ظل متعلقًا بأسرته الصغيرة، فأطفاله لا ينقطعون عن زيارته يوميًا، ليحملوا له معهم الحب والدفء في عالمٍ لم يعد يتسع لكثير من الراحة.
قصة الأستاذ طه حسين الشرعبي ليست مجرد خبر عابر، بل هي درسٌ في الحياة، رسالةٌ مفادها أن العطاء الحقيقي لا يعترف بالعقبات، وأن الإرادة البشرية قادرة على تحويل أعظم الآلام إلى أقوى مصادر الإلهام. فهو المعلم الذي لم يقتصر تعليمه على الكتب، بل علّم أجيالًا معنى الشجاعة، والتضحية، والحياة رغم كل شيء.













































