اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة البلاد
نشر بتاريخ: ٢٥ أيلول ٢٠٢٥
البلاد (جدة)
يمثل صدور الأحكام النظامية الخاصة بضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر في مدينة الرياض إنفاذًا لتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء –حفظه الله– خطوة استراتيجية تهدف إلى تحقيق التوازن العقاري ومعالجة التحديات التي شهدتها العاصمة خلال السنوات الماضية نتيجة ارتفاع أسعار الإيجارات السكنية والتجارية، من خلال حزمة متكاملة من الإجراءات التنظيمية التي تعزز العدالة والشفافية وتضمن حقوق جميع الأطراف.
وقد اعتمد مجلس الوزراء، وصدر المرسوم الملكي الكريم بالموافقة على هذه الأحكام التي قامت الهيئة العامة للعقار بإعدادها بعد دراسات معمقة استندت إلى أفضل الممارسات الدولية والتجارب العالمية في هذا المجال، لتكون مرجعًا نظاميًا شاملاً يسهم في بناء سوق عقاري أكثر استقرارًا وتنظيمًا.
وتشمل الأحكام النظامية عدة محاور رئيسية، أولها إيقاف الزيادة السنوية لقيمة الأجرة الإجمالية في عقود إيجار العقارات السكنية والتجارية، سواء القائمة أو الجديدة، الواقعة داخل النطاق العمراني لمدينة الرياض، وذلك لمدة خمس سنوات ابتداءً من 3 ربيع الآخر 1447هـ الموافق 25 سبتمبر 2025م. وبهذا لا يُسمح للمؤجر بزيادة الأجرة المتفق عليها خلال هذه المدة، مع إمكانية تطبيق هذا التنظيم لاحقًا على مدن أو محافظات أو مراكز أخرى بناءً على قرار من مجلس إدارة الهيئة العامة للعقار بعد موافقة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
أما المحور الثاني فيتعلق بتثبيت الأجرة الإجمالية للعقود الجديدة للعقارات السكنية والتجارية الشاغرة التي سبق تأجيرها، وذلك وفقًا لقيمة آخر عقد إيجار مسجل، بينما يتم احتساب قيمة الإيجار للعقارات التي لم يسبق تأجيرها وفق ما يتفق عليه المؤجر والمستأجر.
وتضمنت الأحكام إلزامية توثيق جميع العقود الإيجارية في شبكة 'إيجار' الإلكترونية، إذ يلتزم المؤجر بتسجيل العقد غير المسجل، كما يحق للمستأجر التقدم بطلب التسجيل، وفي حال تسجيل العقد يكون للطرف الآخر حق الاعتراض أمام الهيئة العامة للعقار خلال مدة 60 يومًا من تاريخ الإبلاغ، وإذا لم يقدم اعتراضًا تُعتمد بيانات العقد صحيحة.
كما نُظمت ضوابط التجديد التلقائي للعقود، بحيث يُعتبر عقد الإيجار في كافة مدن المملكة مجددًا تلقائيًا ما لم يبلغ أحد الطرفين الآخر بعدم الرغبة في التجديد قبل 60 يومًا على الأقل من انتهاء مدة العقد. واستُثنيت من ذلك بعض الحالات مثل العقود محددة المدة التي بقي منها أقل من 90 يومًا عند نفاذ الأحكام، أو العقود التي يتفق الطرفان على إنهائها بالتراضي. وفيما يخص العقارات الواقعة ضمن النطاق العمراني لمدينة الرياض، لا يجوز للمؤجر الامتناع عن تجديد العقد إذا رغب المستأجر في الاستمرار، إلا في ثلاث حالات رئيسية: تخلف المستأجر عن السداد، أو وجود عيوب هيكلية تؤثر على سلامة المبنى وفق تقرير فني معتمد، أو رغبة المؤجر في استخدام الوحدة السكنية بنفسه أو لأحد أقاربه من الدرجة الأولى، مع السماح لمجلس إدارة الهيئة العامة للعقار بإضافة حالات أخرى وفق ضوابط محددة.
كما منحت الأحكام المؤجر حق الاعتراض على القيمة الإيجارية في حالات معينة، منها: إذا خضع العقار لأعمال ترميم أو تحسينات جوهرية أثرت على قيمته، أو إذا كان آخر عقد إيجار قد أبرم قبل عام 2024م، بالإضافة إلى الحالات الأخرى التي يعتمدها مجلس إدارة الهيئة العامة للعقار، مع تكليف المجلس بوضع الضوابط والآليات اللازمة للنظر في الاعتراضات واستقبالها.
ولضمان الامتثال، نصت الأحكام على فرض غرامات على المخالفين لا تتجاوز قيمة أجرة 12 شهرًا للوحدة محل التعاقد، مع إلزامهم بتصحيح المخالفة وتعويض المتضرر. كما خولت الأحكام اللجان المشكلة بموجب نظام الوساطة العقارية النظر في المخالفات وإيقاع الجزاءات، مع إتاحة حق التظلم أمام الجهة القضائية المختصة خلال 30 يومًا. ولتشجيع الرقابة المجتمعية، أُقرت مكافآت بنسبة تصل إلى 20% من قيمة الغرامة المحصلة للمبلغين من غير المختصين إذا أسهم بلاغهم في إثبات المخالفة.
وفيما لم يرد فيه نص خاص، يتم تطبيق الأحكام الواردة في نظام المعاملات المدنية، مع إتاحة تعديل هذه الأحكام مستقبلًا من قبل مجلس الوزراء بناءً على توصية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وفق ما يرد من تقارير الهيئة العامة للعقار.
كما تضمنت التوجيهات تكليف الهيئة العامة للعقار بمتابعة تنفيذ هذه الإجراءات بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، وتفعيل أدوات المراقبة والرقابة، إلى جانب الاستمرار في متابعة أسعار الإيجارات وحركة السوق، ورفع تقارير دورية تتضمن المؤشرات العقارية إلى سمو ولي العهد. وأكدت الهيئة أنها ستقوم بنشر التوضيحات اللازمة، وتكثيف جهود التوعية لضمان معرفة جميع الأطراف بآليات التطبيق الجديدة.
وتعكس هذه الأحكام حرص القيادة الرشيدة على كل ما فيه مصلحة المواطن والمقيم، حيث توفر حماية من الزيادات العشوائية في الأسعار، وتضمن استقرارًا ماليًا للأسر، وتحفظ حقوق المؤجرين في الوقت ذاته، بما يعزز الثقة في السوق العقاري المحلي. كما تمثل خطوة مهمة نحو رفع جاذبية السوق السعودي للاستثمار الإقليمي والدولي من خلال بيئة قانونية عادلة وشفافة، وتوثيق العقود عبر 'إيجار' مما يقلل من النزاعات، ويُسهل عمليات الإدارة والمتابعة القانونية.
وبذلك، يتوقع أن تسهم هذه الأحكام في خلق سوق أكثر استقرارًا وجاذبية، وتعزيز مكانة الرياض كمركز استثماري متوازن، مع رفع كفاءة الوسطاء العقاريين من خلال الترخيص والرقابة، ودعم التنمية العمرانية المستدامة بما يواكب رؤية المملكة 2030.