شهد القصر الجمهوري في بعبدا اليوم الأربعاء توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، خلال لقاء جمع الرئيس اللبناني جوزيف عون ونظيره القبرصي نيكوس خريستودوليدس.

ويشكّل الاتفاق خطوة محورية في مسار التعاون بين البلدين بعد نحو 18 عامًا من توقيع اتفاق أولي عام 2007 لم يكتمل قانونيًا ولم يُبرَم في البرلمان اللبناني، بسبب اعتراضات متعلقة بالحدود الجنوبية مع إسرائيل، ما عطّل الاستثمارات والتنقيب في البلوكات الحدودية طوال السنوات الماضية.

وقال الرئيس عون إن الاتفاق يمهّد لمرحلة جديدة من الشراكة، ويسمح للبلدين ببدء استكشاف ثرواتهما البحرية. وشدّد على أن التعاون 'لا يستهدف أحدًا ولا يستثني أحدًا، ويهدف إلى دعم الاستقرار في شرق المتوسط'.

طاقة واعدة.. وتقديرات ضخمة للغاز

تقدّر وزارة الطاقة اللبنانية احتياطيات الغاز الطبيعي في مياهه الإقليمية بنحو 30 تريليون قدم مكعب، إلى جانب 660 مليون برميل من النفط. وكانت الوزارة قد قسمت المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى عشرة بلوكات بحرية.

وأظهرت المسوحات التي أجرتها شركات 'توتال' و'إيني' و'نوفاتيك' إمكانات واعدة في البلوكات الجنوبية، رغم النتائج غير المشجعة من بئر 'قانا'.

ويعوّل لبنان على أن يشكّل الاتفاق عامل جذب لشركات الطاقة الدولية، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف به منذ 2019.

علاقة الاتفاق بترسيم الحدود مع إسرائيل وسوريا

عاد ملف قبرص إلى الواجهة بعد توقيع لبنان وإسرائيل اتفاق ترسيم الحدود البحرية في أكتوبر 2022، ما فتح الباب أمام استكمال المسار مع نيقوسيا.

إلا أن الحدود البحرية اللبنانية–السورية تبقى معضلة عالقة، إذ تتداخل رقعتان لبنانيتان (1 و2) مع منطقتين سوريتين، ما يجعل أي استثمارات مستقبلية مرهونة بالتفاهم مع دمشق الذي لم يتحقق بعد.

مصر والعراق.. دعم إقليمي لمشاريع الطاقة

يتقاطع توقيع الاتفاق مع تحركات إقليمية تسعى لربط شرق المتوسط بأوروبا. وكانت مصر ولبنان قد وقّعا عام 2022 اتفاقًا لتوريد الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا ضمن مشروع خط الغاز العربي، وهو اتفاق تعطل بفعل العقوبات الأميركية قبل أن يمهّد إلغاء الكونغرس لقانون 'قيصر' مؤخرًا الطريق أمام تنفيذه.

وتعمل القاهرة على اللمسات الأخيرة لتزويد لبنان بنحو 650 مليون متر مكعب سنويًا من الغاز.

ووافق العراق في مارس الماضي على تزويد لبنان بالوقود لمدة ستة أشهر، إضافة إلى مذكرة تفاهم موقعة عام 2023 لتأمين مليوني طن سنويًا من الخام والمشتقات البترولية، ما يساهم في تخفيف جزء من أزمة الكهرباء المتفاقمة.

قبرص: إنجاز استراتيجي ورسالة سياسية

من جهته، وصف الرئيس القبرصي الاتفاق بأنه 'إنجاز استراتيجي يحمل رسالة سياسية قوية'، مؤكدًا أن الاتفاق يوفر 'غطاءً قانونيًا للمستثمرين' ويعزز آفاق التعاون في مجال الطاقة، ويسمح بتحويل شرق المتوسط إلى ممر بديل للطاقة نحو أوروبا.

وأشار إلى أن بلاده بدأت حوارًا مع لبنان حول مشروع الربط الكهربائي، مع توجّه لطلب دراسة جدوى من البنك الدولي، تزامنًا مع استعداد قبرص لتولي رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي خلال أسابيع.

نحو شراكة أوسع مع أوروبا

أكّد الرئيس عون أن الاتفاق يشكّل 'لبنة أولى في جسر من التعاون الدولي'، مشيرًا إلى تطلع لبنان نحو تفعيل الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، والعمل على ملفات تشمل الطاقة، والهجرة غير الشرعية عبر المتوسط، والاتصالات، والسياحة، والطاقة المتجددة، إضافة إلى التعاون الأمني والدفاعي.

ورأى أن التفاهم البحري يشكّل 'السبيل الوحيد للتخلي عن سياسات العنف والدمار والهيمنة' في المنطقة.

ويُشكل الاتفاق من وجهة نظر بيروت ونيقوسيا خطوة أساسية لإعادة لبنان إلى خريطة الطاقة الإقليمية، رغم التحديات الجيوسياسية والفنية القائمة، ويتيح للبلدين الانطلاق نحو مرحلة جديدة من التعاون في شرق المتوسط، في انتظار نتائج التنقيب المقبلة والتفاهمات المعلّقة مع سوريا.