اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٣ أذار ٢٠٢٥
تجري وقائعها في قضية التآمر على أمن الدولة خلال وجود الموقوفين في السجن
قررت الدائرة الجنائية الخامسة بالمحكمة الابتدائية في تونس، تحويل قضية ما يعرف بـ'التآمر على أمن الدولة' إلى محاكمة من بعد من دون جلب الموقوفين إلى مقر المحكمة، وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين صفوف الحقوقيين والمهتمين بالشأن العام في البلاد.
ووصف البعض القرار بـ'الجائر' ولا يضمن محاكمة عادلة وتمسكوا بحق الرأي العام في الاطلاع على تفاصيل القضية، في المقابل عدوه 'إجراء قانونياً' ومعمولاً به في أصعب القضايا التي مرت على تاريخ تونس، وهي قضايا الاغتيالات ويتخذ به في دول عدة أخرى.
وأعلنت هيئة الدفاع عن المحالين في القضية، أن الجلسة الأولى المقررة في الرابع من مارس (آذار) المقبل، ستكون من بعد، ومن دون حضور الموقوفين.
خطر حقيقي
وبحسب نسخة نشرها الفرع الجهوي للمحامين بتونس، أول من أمس الأربعاء، عبر صفحته الرسمية على 'فيسبوك'، فإن قرار عقد الجلسة من بعد يأتي نظراً إلى وجود خطر حقيقي.
في هذا السياق، عبر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي عن هذا القرار قائلاً، 'يريدونها محاكمات سرية في قاعة معسكرة أبوابها مؤصدة من دون مواكبة من الرأي العام والصحافة والمواطنين وعائلات الموقوفين'. وأوضح عبر 'فيسبوك' أن 'القضاء يخشى مواجهة المساجين السياسيين المعتقلين. يخشى مواجهة الحقيقة. يخشى دحض سردية قرار ختم البحث المحرر من قبل القاضي'، على حد قوله.
في المقابل، رأى الناطق الرسمي للتيار الشعبي محسن النابتي في حديث إلى 'اندبندنت عربية'، أن 'طريقة المحاكمة هي نفسها تم اعتمادها في قضية محمد البراهيمي أي في أخطر قضايا الاغتيالات التي شهدها تاريخ تونس'. وتابع 'كنا بوصفنا ’تيار شعبي’ وهيئة الدفاع عن البراهيمي طالبنا بحضور المتهمين، ولكن لم يساندنا أحد. من يبكون اليوم على طريقة المحاكمة بلعوا ألسنتهم في قضية الشهيد محمد البراهيمي، ومحاموهم ترافعوا على المتهمين من بعد ولم يثيروا أي أشكال'.
وقال، 'لذلك الكيل بمكيالين لن نقبله، والمحاكمة من بعد موجودة في المجلة الجزائية واعتمدت في قضية الشهيد محمد البراهيمي التي هي أخطر من قضية التآمر لذلك المهم بالنسبة إلينا الآن هو إقامة العدالة وضمان محاكمات عادلة بالطرق القانونية'.
ورأى الناشط السياسي المناصر لمسار رئيس الجمهورية نبيل الرابحي أن 'المحاكمات من بعد بحضور محامي المتهمين وتوفر حقوق المرافعة والدفاع والاستماع جيداً لما يقوله القاضي والاستماع الواضح لردود المتهمين أمر متعارف عليه في العالم'.
حفظ النظام
أكد الناطق الرسمي باسم محاكم المنستير والمهدية القاضي فريد بن جحا في تصريح خاص، أن القانون واضح وجلي في شروط المحاكمة من بعد وفق مرسوم عدد 12 لعام 2020.
ويمكن للمحكمة بحسب هذا المرسوم القانوني أن تقرر من تلقاء نفسها أو بطلب من النيابة العمومية أو المتهم، حضور المتهم المودع بالسجن بجلسات المحاكمة والتصريح بالحكم الصادر في شأنه، باستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري المؤمنة للتواصل بين قاعة الجلسة المنتصبة بها المحكمة والفضاء السجني المجهز للغرض، وذلك بعد عرض الأمر على النيابة العمومية لإبداء الرأي وشرط موافقة المتهم على ذلك.
هنا تساءل البعض عن شرط موافقة المتهمين الذي يعد غير متوافر بحسب عائلاتهم خلال ندوة عقدوها للغرض.
قانونياً يجوز للمحكمة في حال الخطر الملم أو لغاية التوقي من أحد الأمراض السارية أن تقرر العمل بهذا الإجراء من دون التوقف على موافقة المتهم المودع بالسجن.
بحسب نفس المرسوم القانوني يكون القرار الصادر عن المحكمة باعتماد وسائل الاتصال السمعي البصري كتابياً ومعللاً وغير قابل للطعن بأي وجه من الأوجه، ويعلم به مدير السجن المعني والمتهم ومحاميه عند الاقتضاء بكل وسيلة تترك أثراً كتابياً في أجل لا يقل عن خمسة أيام قبل تاريخ الجلسة، وللمحامي في هذه الحال الخيار بين الدفاع عن منوبه بقاعة الجلسة المنتصبة بها المحكمة أو بالفضاء السجني الحاضر به المتهم.
ويعد الفضاء السجني المخصص والمجهز لغرض التواصل السمعي البصري بين المحكمة والمتهم ومحاميه عند الاقتضاء، امتداداً لقاعة الجلسة وتنطبق به نفس القواعد المنظمة لتسيير الجلسة وحفظ النظام بها وزجر كل إخلال به وفقاً للتشريع الجاري به العمل، بحسب نص القانون.
كما جاء في المرسوم أنه في كل الحالات يتمتع المتهم المودع بالسجن والواقع محاكمته باعتماد وسائل الاتصال السمعي البصري بكل ضمانات المحاكمة العادلة وتسري على محاكمته نفس الإجراءات المنطبقة على وضعية المتهم الحاضر شخصياً بقاعة الجلسة كما تترتب عنها نفس الآثار القانونية.
إلا أن الحزب الجمهوري عد أن هذا القرار يشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ المحاكمة العادلة، ويعمق الانحراف الخطر الذي تشهده المنظومة القضائية، وفق بلاغ صدر إثر صدور القرار.
الدفاع عن استقلالية القضاء
وقال الحزب الجمهوري الذي يحاكم أمينه العام في ما يعرف بقضية 'التآمر' إن منع عقد الجلسة حضورياً بحجة 'الخطر الحقيقي' لم تستعمل حتى في محاكمة إرهابيي أحداث 'بن قردان' الذين وقع إحضارهم للمحكمة بعد تأمينها، فما بالك بقيادات وشخصيات سياسية مدنية ناضلت طوال حياتها ولعقود من أجل صون الحقوق والحريات واحترام حقوق الإنسان، بينما لم يكن لمن يحكمون اليوم الجرأة لقول كلمة حق'.
ودعا الحزب الجمهوري كل القوى السياسية الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني إلى تحمل المسؤولية من أجل التصدي لهذا المسار الخطر، بحسب تعبيره، مطالباً كذلك 'بالدفاع عن استقلالية القضاء، وضمان محاكمات عادلة لكل المتهمين بعيداً من الضغوط السياسية والتجاوزات القانونية'.
وطالب الحزب الجمهوري 'الجهات القضائية بالتراجع الفوري عن هذا القرار، وتمكين المتهمين من حقهم الكامل في الحضور المباشر أمام المحكمة، احتراماً للحقوق الأساسية وضمانات المحاكمة العادلة'، مع ضرورة اعتماد جلسة علنية باعتبار أن التهم تعني الرأي العام وتتعلق بأمنهم الوطني.
في ظل هذه التطورات، تتصاعد الدعوات لعقد جلسة محاكمة علنية تكشف للرأي العام حقيقة التهم الموجهة إلى قرابة 40 شخصاً، والتي انطلقت فيها الإيقافات في الـ11 من فبراير (شباط) 2023 من بينهم شخصيات سياسية معروفة مثل عبدالحميد الجلاصي وجوهر بن مبارك وغازي الشواشي وعصام الشابي ورضا بالحاج وخيام التركي. بينما يتمسك القضاء بقراره في انتظار فتح لغز هذه القضية والكشف عن خفاياها.