اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٦ أيلول ٢٠٢٥
مختصون يحذرون من تعميق أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع
أثار قرار السلطات في تونس إغلاق مقر هيئة النفاذ للمعلومة ونقل موظفيها لمقر رئاسة الحكومة تساؤلات عدة وبخاصة أن هناك هيئات دستورية أخرى في حالة تعطيل أو شغور.
طاول التعطيل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، والهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، والهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، والهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، والهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، والمجلس الأعلى للقضاء، مع استمرار غياب المحكمة الدستورية، ووجود هيئة عليا مستقلة للانتخابات في صورة استثنائية غير متطابقة مع أحكام الدستور الجاري به العمل حالياً.
هذا الوضع الذي تعيشه الهيئات جعل المراقبين للشأن العام يعتقدون أنه وضع متوقع، وأنه مواصلة لتطبيق قيس سعيد لمشروعه الجديد.
موت سريري
يرى الكاتب والمحلل الصحافي مراد علالة أن إغلاق هيئة النفاذ إلى المعلومة 'لا يمثل مفاجأة، فهو خطوة أخرى بعد الـ25 من يوليو 2021 للقطع مع المنظومات السياسية والقانونية السابقة ومؤسساتها ووسائطها التقليدية بما في ذلك ما ظهر منها قبل عام 2011'.
ويقول علالة في تصريح خاص 'ولئن عرفت هيئة مكافحة الفساد المصير نفسه، فإن هيئات أخرى توجد في حال عطالة أو شغور أو موت سريري'، مواصلاً 'موقف السلطة من هذه الهيئات المستقلة التي ميزت المرحلة السابقة المصنفة مرحلة للانتقال الديمقراطي منسجم مع ما عرفناه عنها من رفض وبرود وتجاوز للوسائط بكل أنواعها، غير أن البطء في حسم الملف بهذه الصورة يمثل عبئاً على الدولة ويخلق حال فراغ بعد عملية الغلق والتفكيك دون التركيب وبناء البدائل، ولا ننسى أوضاع الأعوان والإطارات الذين يعملون في هذه المؤسسات'.
ويضيف أن 'ما سهل ما أقدمت عليه السلطة ويسر تمرير خياراتها بصورة ناعمة من دون ضجيج أو مقاومة هو واقع معظم هذه المؤسسات التي انتفخت وتكاثرت وتدافعت في وقت من الأوقات، وتعاظم تمويلها وامتيازات القائمين عليها وشكلت فيما بينها جمهورية أو دولة إن جاز القول في صورة رابطة للدفاع عن نفسها وتطوير عملها وهو ما لم يتحقق في تقديرنا، والمتابع لأنشطة هذه الهيئات فرادى أو جماعات يقف على حدودها فكل مجالات عملها تشكو من الوهن وحتى الارتداد على المكاسب السابقة'.
إزاء هذا الوضع يقول مراد علالة 'تتضاعف مسؤولية من يضطلع بأعباء الحكم، فهو مطالب بإرادة سياسية واضحة، لا يكتفي بالتعبير عنها بل يحولها إلى فعل وبديل يملأ الفراغ ويكرس الديمقراطية ويعزز المواطنة ويضمن الحقوق والحريات ويأخذ بالاعتبار موقع والتزامات بلادنا في محيطها الإقليمي والدولي، من جانبها فإن المعارضة والقوى المدنية والسياسية وحتى النخب التونسية مطالبة بتقديم إجابة وطرح بديل يملأ الفراغ ويستأنس بالتجارب المقارنة ويأخذ بالاعتبار الخصوصيات الوطنية.
خطوة سياسية
من جانب آخر، تقول عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسية جيهان اللاتي إن 'إغلاق مقر هيئة النفاذ إلى المعلومة ونقل موظفيها إلى مواقع أخرى لن يكون إجراء إدارياً عابراً بل خطوة سياسية خطرة تمس أحد أهم المكاسب التي جاءت بعد الثورة: الحق في الشفافية والرقابة على مؤسسات الدولة'.
وتضيف اللاتي 'هذه الهيئة التي أنشئت بموجب القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 مثلت آلية قضائية مستقلة للفصل في النزاعات المتعلقة بالنفاذ إلى المعلومة وضمنت للمواطنين حق الاطلاع على الوثائق العمومية'، وتذكر مسار تعطل هذه الهيئة مفيدة 'مسار تعطيل الهيئة لم يبدأ مع الغلق في أوت أغسطس (آب) الجاري، بل تعود جذوره إلى عام 2020 حين شغر منصب الرئيس وهو ما أضعف أداء المجلس'.
وتشير إلى أنه 'في مايو (أيار) 2024 تم إنهاء مهمات نائب الرئيس مما عمق الشغور وأفقد المجلس نصابه القانوني فتوقف عملياً إصدار القرارات القضائية، ومع غلق المقر رسمياً أفرغت الهيئة من محتواها وتحولت إلى هيكل معطل مثلها مثل بقية الهيئات الدستورية في انتهاك صارخ لاستقلالية مؤسسات الضبط والرقابة'، بحسب تعبيرها.
تكريس الإفلات من الرقابة والمساءلة
ترى جيهان اللاتي أن 'انعكاسات هذه الخطوة تتجلى في تكريس الإفلات من الرقابة والمساءلة وحرمان المواطنين من أداة قانونية أساسية في متابعة السياسات العمومية، فضلاً عن تعميق أزمة الثقة بين المجتمع والدولة'.
هذه السابقة، بحسب تقدير الصحافية جيهان اللاتي، 'قد تفتح الباب أمام خطوات مماثلة تستهدف بقية الهيئات المستقلة، وهو ما ينذر بإفراغ النظام السياسي من آليات التوازن والرقابة'.
في السياق ذاته، دعت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين السلطة 'إلى التراجع الفوري عن غلق الهيئة وتمكينها من ممارسة مهماتها والالتزام بمبدأ الشفافية باعتباره حقاً دستورياً وقانونياً لا مجرد خيار سياسي'، ودعت النقابة، في بيان، 'مجلس نواب الشعب لتحمل مسؤوليته في حماية الهيئات العمومية والمستقلة واحترام القانون بالإسراع بانتخاب الأعضاء الشاغرين بالهيئة لضمان استمرارية عملها وتطوير إطارها التشريعي بما يعزز سلطة الهيئة ويجعل قراراتها ملزمة وفورية'.
'أذرع لحزب النهضة'
من جانبها، تقول النائبة بمجلس نواب الشعب فاطمة المسدي إن الهيئات الدستورية التي تم تأسيسها في فترة سابقة أذرع لحزب النهضة الإسلامي'، مضيفة 'والمؤكد أن رئيس الجمهورية رافض لكل هذا المسار السابق'.
وتعتقد المسدي أنه 'على السلطة إيجاد بديل لغلق هذه الهيئات'، مقترحة إحداث وزارة إعلام وأيضاً إحداث أقسام تضمن شفافية النفاذ إلى المعلومة في الوزارات والإدارات العمومية'.
وانتقدت النائبة مسار قيس سعيد قائلة إن 'السلطة تفتح ملفات مهمة إلا أنها لا تغلقها تماماً أو لا تجد بديلاً'.

























