اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٧ شباط ٢٠٢٥
لم تعلن السلطات بعد عن إجراءات أو خطط للتحرك ضد هذه التنظيمات أو تحصين الناشئين
صدم إعلان السلطات في تونس عن استقطاب الجماعات الإرهابية 30 طفلاً قاصراً، الشارع، ليثير التساؤل حول دلالات ذلك ومدى قدرة البلاد على التصدي لهذه التنظيمات.
واستُقطب هؤلاء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مما يجعل البلاد أمام تحدٍ جديد، بعد أعوام قطعت فيها أشواطاً مهمة نحو اجتثاث الجماعات الإرهابية التي جندت الآلاف منذ يناير (كانون الثاني) عام 2011 تاريخ سقوط النظام السابق في تونس بقيادة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وقال المتحدث باسم الحرس الوطني حسام الدين الجبابلي في تصريحات بثتها وكالة الأنباء الرسمية إن 'عام 2024 شهد استقطاب الجماعات الإرهابية لـ30 قاصراً في تونس باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي'.
وأوضح أن 'هذه الجماعات تستخدم بصورة كبيرة شبكات التواصل الاجتماعي لاستقطاب هذه الفئة، ناهيك عن الكتب والمقالات، وفُتحت قضايا في هذا الشأن'.
مؤشر خطر
ومنذ انتفاضة الـ14 من يناير، شهدت تونس أحداثاً دموية نفذتها تنظيمات إرهابية على غرار الهجوم على مدينة بن قردان الحدودية عام 2016 الذي خلف عشرات القتلى والجرحى.
ونشطت جماعات متطرفة على غرار كتيبة 'عقبة ابن نافع' التابعة لتنظيم 'القاعدة' الإرهابي في سفوح الجبال التونسية، ونصبت كمائن بعدما نجحت في تعبئة عشرات المقاتلين.
وقال المؤرخ والباحث السياسي التونسي محمد ذويب إن 'هذا التطور يُمثل مؤشراً خطراً يجب التصدي له، وهو في اعتقادي ظاهرة ناجمة عن إهمال أولياء الأمور لأبنائهم وتركهم فريسة للتكنولوجيا والميديا واستعمال الهواتف الجوالة'.
وتابع ذويب في حديث إلى 'اندبندنت عربية' أن 'هذا يسهل للجماعات الإرهابية عملية استقطاب الناشئين، والدولة تتحمل المسؤولية إذ تقع على عاتقها مسؤولية زيادة مراقبة الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً تلك المتطرفة الداعية إلى العنف وضرورة غلقها، وعلى الأولياء تحمل مسؤولياتهم من خلال مراقبة أبنائهم'.
وشدد على أن 'وتيرة الاستقطاب تراجعت ولكن لا يجب الركون وإلغاء الرقابة نهائياً لأن هذه المجموعات تتعمد التخفي ثم تعود للنشاط مرة أخرى ولنا في سوريا أكبر مثال، فالرقابة الدائمة هي الحل'.
فراغات وظاهرة عالمية
وعلى رغم كشفها عن نجاح التنظيمات الإرهابية في استقطاب نحو 30 طفلاً، لم تعلن السلطات التونسية بعد عن إجراءات أو خطط للتحرك ضد هذه التنظيمات أو تحصين الناشئين، خصوصاً في ظل حال الانفتاح التي تثيرها شبكات التواصل الاجتماعي.
وقبل أشهر، أطلقت وزارة المرأة والأسرة والطفولة إستراتيجية 'من أجل حماية الأطفال من الأخطار السيبرانية'، لكن نتائج هذه الإستراتيجية لا تزال غير معروفة.
واعتبر الباحث السياسي التونسي منذر ثابت أن 'الظاهرة لا تخص تونس فقط، بل هي ظاهرة تكاد تكون عالمية، فهي ترتبط بالعصابات الإجرامية وشبكات إرهابية تستهدف الأطفال والمراهقين لاستقطابهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لا سيما أنها تستعمل أسماء مستعارة وكثيراً من الأشكال، وتستهدف مواقع محددة مثل صفحات الرياضة والشبكات الداعمة للجمعيات'.
وفي تصريح خاص، أوضح ثابت أن 'عملية الرصد والاختراق المضاد صعبة ودقيقة، لكن دوافع نجاح عمليات الاستقطاب هذه متعددة ومن بينها التفكك الأسري وغياب التثقيف من خلال توجيه الشباب والأطفال نحو استعمال مجدٍ ونافع لشبكات التواصل الاجتماعي وغياب الفضاءات الحوارية الخاصة والموجهة للشباب والأطفال، لا سيما في مرحلة المراهقة، فالتنظيمات الإرهابية تستهدف بالأساس المراهقين باعتبار القدرة الجسدية والمتانة لإنجاز أعمال إرهابية'.
وتابع 'في تقديري هناك فراغات متروكة من قبل الأسرة في تونس تسمح بعمليات الاستقطاب وهي فراغات تتسبب فيها ظاهرة التفكك الأسري التي هي أصلاً وراء كثير من الظواهر، علاوة على غياب الحاضنة التعليمية والإمكانات المرافقة لها، وأكيد أن كل هذا له تأثير مباشر ويفسح المجال لعملية الاستقطاب والاختراق أيّاً كان حجم الرقابة الأمنية'.
عملية مستمرة
وكثيراً ما أقرت تونس بأنها نجحت في قصقصة أجنحة الجماعات الإرهابية، مما يجعلها اليوم أمام امتحان حقيقي لتحصين أطفالها في سياق تنشغل فيه الأسر بالفعل بتأمين حاجاتها، مما يجعل هؤلاء 'فريسة سهلة' للتنظيمات المتطرفة.
والقانون التونسي متشدد مع الذين ينتمون لتنظيمات إرهابية أو يرتكبون اعتداءات، إذ تصل العقوبات إلى السجن المؤبد أو الإعدام.
وقال منذر ثابت إن 'نجاح الأجهزة المتخصصة في مقاومة الإرهاب والجريمة في تونس هو نجاح مشهود له، لكن تأمين مستقبل المجتمع وحمايته من خطر الإرهاب عملية يجب أن تكون مستمرة، خصوصاً أننا في عالم خطر تمزقه النزاعات الإقليمية'.
وأبرز المتحدث ذاته أن 'التنظيمات الإرهابية تتنقل وتستقطب في فضاء مفتوح وهو شبكات التواصل الاجتماعي، وبإمكان تونس أن تتصدى لهذه التنظيمات، خصوصاً لتحصين شبابها بطريقة علمية وهادفة، إذ يجب تأطير هذا الشباب وفسح المجال لفضاءات ومساحات حوارية'.
وأنهى حديثه بالقول إن 'السماح للشباب بالتكلم والتعبير بحرية هو شرط أساس وحيوي للتمكن من استدراجه نحو المحاور الفكرية والقيمية العليا والسامية من دون الانزلاق إلى منطق الفرز والعلاقة العمودية معه، فنحن أمام شباب أنتجته الفضاءات الافتراضية وشبكات التواصل الاجتماعي'.