اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
الاصطياف في العطلة أصبح من الضرورات لكن الأسعار تلاحق الأسر والعائلات
في ظل ارتفاع كلف السفر خارج البلاد اختار عديد من التونسيين البقاء في بلادهم لقضاء وقت ممتع في عطلة الصيف، مما يعكس نضج السياحة الداخلية ووعي التونسيين بأهمية اكتشاف بلادهم.
وعلى رغم التحديات المادية التي تعيشها تونس، وعلى رأسها ارتفاع أسعار الخدمات السياحية، حرص عدد من التونسيين على الاستجمام بين الشواطئ الشاسعة والجبال العالية والمنتجعات السياحية من شمال البلاد إلى جنوبها.
منير، متزوج وأب لطفلين، يقول إن تخصيص مبلغ مالي سنوياً من أجل قضاء بضعة أيام في أحد النزل بالمدن السياحية أصبح أمراً ضرورياً لا يمكن التخلي عنه.
ويرى منير أنه 'بعد انتهاء الدراسة يسأل الأطفال عن وجهتنا السياحية وكأن الأمر أصبح من ضرورات الحياة عندهم وحق مكتسب لا يمكن الهرب منه'، إلا أن منير يتذمر من غلاء أسعار الوحدات الفندقية التي تعامل السائح التونسي وكأنه سائح أجنبي، بحسب تعبيره، مطالباً الدولة بإيجاد حلول حتى يستطيع المواطنين التمتع أكثر بالمناطق الخلابة في تونس.
أما لبنى فهي سيدة متزوجة وأم لثلاثة أطفال، تقول، 'عندما كبر أبنائي لم نعد قادرين على تسديد كلفة خمسة أشخاص خدمات في فندق سياحي'، مواصلة 'لقد وجدنا حلولاً أقل كلفة وهي استئجار منزل قريب من البحر لمدة أسبوع أو أكثر'.
وترى لبنى أن كلفة الخدمات السياحية في تونس أصبحت مرتفعة جداً، الشيء الذي جعل غالب التونسيين يقلصون مدة الاصطياف، مضيفة 'لكن لا مفر من الاستغناء عنها بعد سنة طويلة من الدراسة والعمل'.
إقصاء ممنهج للفئات الضعيفة
في هذا السياق يرى رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي أنه 'في وقت نبارك فيه ما تشهده تونس من مؤشرات إيجابية في قطاع السياحة الوافدة، ونثمن المجهودات المبذولة في هذا القطاع الحيوي ودوره في دفع التنمية، يعيش المواطن التونسي، لا سيما الفئات الضعيفة والمتوسطة، إقصاءً ممنهجاً من الاستفادة من هذه الديناميكية، نتيجة غياب رؤية وطنية تكرس العدالة في النفاذ إلى الخدمات السياحية الداخلية، ونتيجة الغلاء، مما حول القطاع السياحي إلى فضاء مغلق على الطبقة الميسورة والسائح الأجنبي، في تغييب صارخ لمبدأ العدالة الاجتماعية'.
وعبرت المنظمة في بيان لها عن انشغالها العميق من تفاقم الفجوة بين التونسي وسياحة بلاده، وأعلنت مطالب عدة أهمها إطلاق مبادرة تشريعية عاجلة وملزمة تكرس حق المواطن التونسي، وبخاصة العائلات ذات الدخل المحدود، في الانتفاع بنسبة إليها تقل عن 30 في المئة من الطاقة السياحية الوطنية، تخصص له بأسعار تفاضلية واضحة وشفافة وتخضع للرقابة من قبل جهات مستقلة.
ودعت المنظمة إلى تفعيل آلية وطنية دائمة للسياحة الاجتماعية تعبأ في إطارها الموارد والمنشآت العمومية غير المستغلة خلال العطل والمواسم، وخصت بالذكر المبيتات والمطاعم المدرسية والجامعية ودور الشباب والثقافة، وكذلك مراكز التخييم والمركبات الرياضية، وذلك لتوفير الإقامة والأنشطة لفائدة الأطفال والتلاميذ والطلبة والشباب ضمن برامج ترفيهية ثقافية وتربوية متكاملة، وفق البيان.
وطالب البيان بإدراج بند خاص في قانون المالية القادم، يرصد فيه تمويل عمومي قار لدعم السياحة الاجتماعية والداخلية، إلى جانب إقرار حوافز ضريبية للمؤسسات السياحية التي تلتزم بالانتظام في هذا التوجه.
وأكد الرياحي في تصريح خاص أن حق المواطن في الترفيه والمعرفة الجغرافية والثقافية ببلاده هو حق مدني أصيل، لا يخضع فقط لمنطق السوق، بل يعد ركيزة من ركائز الانتماء والمواطنة والتنمية المتوازنة.
سوق داخلية أكثر وعياً
من جانبه قال رئيس الجامعة المهنية المشتركة للسياحة التونسية حسام بن عزوز إن السياحة الداخلية في 2024 مثلت 6 ملايين ليلة مقضية في النزل من جملة 26 مليون ليلة مقضية بنسبة قدرت بـ25 في المئة، معتبراً أن هذا الرقم يدل على أن السوق الداخلية ليست سوقاً احتياطية يُلتجأ إليها وقت الأزمات، وإنما هي سوق مهمة أسهمت في تطور القطاع.
ويرى بن عزوز أن السوق الداخلية أصبحت أكثر وعياً، مشيراً إلى أن أسعار النزل ليست في متناول كل الطبقات الاجتماعية، لذلك يلجأ التونسيون إلى الإقامات البديلة والمنازل المعدة للإيجار، متحدثاً عن ضرورة التركيز على البعد الاجتماعي في السياحة الداخلية
وأضاف رئيس الجامعة المهنية المشتركة للسياحة التونسية أن الجامعة اقترحت خلال جلسة عمل انعقدت منذ أيام بمقر وزارة السياحة التونسية، توفير أشكال أخرى من الإقامات السياحية على غرار المخيمات الصيفية والقيام بدراسة معمقة حول السياحة الداخلية والمنتجات التي تتماشى مع التونسيين.
وعلى الجانب الرسمي يقول المدير العام للديوان الوطني التونسي للسياحة محمد مهدي الحلوي إنهم يسعون إلى تطوير الخدمات السياحية الموجهة إلى التونسيين، وذلك عبر تصور حلول للمؤسسات الفندقية التي تواجه صعوبات في التمويل، حتى تكون في وضعية تتيح لها إعادة الاستثمار وتحسين خدماتها المقدمة على مستوى السعر والجودة، وأضاف أن تونس تطمح إلى رفع نسبة مساهمة السياحة الداخلية إلى 30 في المئة.
وتابع الحلوي قائلاً 'قمنا بشراكة مع المهنيين في قطاع السياحة لتوفير خدمات سياحية للتونسيين بالجودة المطلوبة وبأسعار معقولة من أجل حث التونسيين على قضاء عطلهم بالنزل وبالفضاءات السياحية'.
وفي هذا الصدد أطلقت وزارة السياحة في تونس مبادرة 'تونس ليك' لدفع السياحة الداخلية وتشجيع التونسيين على إعادة اكتشاف البلاد وتاريخها وحضارتها وثقافتها وجمالها.